الجزائر تعلن عن هيكلة دستور جديد للبلاد, وأخضعت مقتضياته لحملات إعلامية مكثفة على أساس أنها دشنت عهدا جديدا بدستور جديد يتسم بكل مواصفات الديمقراطية التي ينشدها الشعب الجزائري ويبوء الجزائر في مصاف الدول الديمقراطية.
إلا أن الملاحظ هو أن المعارضة الجزائرية بكل أطيافها أدارت ظهرها لهذا المولود ولم تحفل بالبهرجة الرسمية التي أحيطت به, بل أكثر من ذلك لم تشارك حتى في الحوار و المشاورات التي سبقت ولادته, معتبرة ذلك مناورة جديدة من طرف السلطة، لكسب مزيد من الوقت والالتفاف حول المطالب الحقيقية من أجل إحداث نقلة ديمقراطية حقيقية.
ومن أشهر ردود فعل المعارضة ما أقره “على بن فليس” رئيس الحكومة الأسبق ورئيس حزب طلائع الحريات الجزائري عندما صرح بعدم قناعته إطلاقا بجدوى وجدية هذا المسعى، موضحا أنه لا يقبل أن يكون شاهد زور، واقناع بلده بإن هكذا تعديلا دستوريا سيكون كافيا لإخراج البلاد من الانسداد السياسي الشامل الذي بات يتخبط فيه, مشددا أنه لا يجوز لمؤسسة رئاسية غير شرعية وليس لها الحق في المبادرة بتعديل دستوري وبأن البرلمان غير شرعي بالمقدار نفسه, و ليس له الحق في إصدار حكمه بشأن هذا التعديل الدستوري، وبأن المجلس الدستوري المأمور والفاقد لهامش التحرك وحرية التصرف او القرار له الحق في تقدير السلامة الدستورية لهذا المشروع.
موضحا أن أزمة نظام بحجم وبخطورة الأزمة التي يواجهها بلده لا يمكن بتاتا لمشروع تعديل دستوري كهذا أن يؤثر في حلها وتجاوزها، مشددا على أن مصدر الداء الذي ابتلي به الوطن لا يكمن في دستوره، وإنما في منظومته السياسية برمتها، وهي المنظومة التي تبيح لنفسها تقديس الدستور أو اغتصابه متى شاءت، ومتى رأت أن في ذلك منفعة لها.
في ذات السياق أكد “بن فليس” أن المنظومة السياسية الحالية قد بلغت مداها، وأثبتت إخفاقها، ومن هذا المنظور بالذات يتضح وجوب انتقال ديمقراطي مفصلي وحيوي، وهو انتقال ينبغي أن يكون تدرجيا ومنظما وتوافقيا وهادئا وسلسا، يكون صنع دستور الجمهورية الجديد عنصرا من عناصره ومحطة من محطاته. واستطرد أنه بعد ضياع قرابة خمس سنوات من عمر البلد من أجل نتيجة زهيدة وجوفاء كهذه، لا لغرض آخر سوى لتمكين نظام سياسي من صنع دستور على مقاسه وليس للجمهورية قاطبة؛ دستور جاء به بمحض إرادته وفرضه فرضا على الجميع وهو على علم بأنه لن يعمر بعده؛ دون أن يتغير شيء في شغور السلطة وفي انعدام شرعية المؤسسات وفي استيلاء قوى غير دستورية على مركز صنع القرار الوطني، وهي العوامل المجتمعة في صميم أزمة النظام بالغة الخطورة التي يحاول النظام السياسي القائم صرف العيون عنها, و أن تقزيم دستور الجمهورية بتضمينه مفردات وجملا لا ترقى لمقامه، لا تعدو أن تكون سوى ثرثرة سياسوية تفتقر إلى سداد الجوهر وعمق الرؤى والانسجام السياسي والقانوني، وأنه لمن المحزن أيضا أن يوظف دستور الجمهورية من طرف النظام السياسي القائم لا لهدف آخر سوى لكسب وقت من أجل بقائه.
من جهتها ذهبت حركة مجتمع السلم وهي تنتمي للتيار الإسلامي إلى اعتبار مسودة الدستور الجديد أنها لا تستحق كل الجدل الذي أثير حولها، موضحة أنه لا فائدة من هذا الدستور الجديد، لأنه يعبر عن توجهات الرئيس بوتفليقة ومن حوله، وليس دستورا توافقيا كما طالبت به الأحزاب المعارضة, مشددة على أن موضوع تعديل الدستور استغرق أكثر من الوقت اللازم، على اعتبار أن ورشة تعديله فتحت منذ سنة 2011، وكذا الوعود التي صاحبت مختلف مراحل التعديل، والتي أعطت الانطباع أن التعديل سيحدث ثورة إصلاحية، لكن ذلك لم يكن سوى عملية بيع الوهم للجزائريين, و أن حقيقة الدستور الجديد تعبر عن توجهات أصحابه، وأنه لا يحمل الأفكار والتوجهات التي عبرت عنها الأحزاب السياسية في الاستشارات التي نظمتها السلطة بداية من صيف 2011، بخصوص تعديل الدستور، مشيرة الى أن الدستور الذي عرف أطول عملية تحضير ليس توافقيا ولا إصلاحيا.
أما حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وهو على فكرة حزب علماني اعتبر أن النقطة الإيجابية الوحيدة في المشروع هي اعتبار الأمازيغية لغة رسمية الى جانب العربية باعتبارهما مكونين من مكونات الهوية الجزائرية، أما بقية التعديلات فلا معنى لها، بما في ذلك العودة الى تحديد الولايات الرئاسية التي كان الرئيس بوتفليقة قد فتحها أمام نفسه للترشح الى ولاية ثالثة ورابعة، والآن يعاد غلق باب الولايات الرئاسية الذي كان مفتوحا على مصراعيه، ليصبح أمام كل رئيس فرصة تجديد ولايته مرة واحدة.
ومهما يكن فقد حاول النظام الجزائري أن يكون دستوره توافقيا من خلال توجيه عديد الدعوات لأحزاب المعارضة من أجل المشاركة في المشاورات الخاصة بتعديله، وخاصة تلك التي جرت بعد الانتخابات الرئاسية الا أن أحزاب المعارضة رفضت المشاركة في هذه المشاورات..
محمد الحافظ / أصداء المغرب العربي