بقلم / اوكتاي كوربانوف/ سفير جمهورية اذريبدجان بالمغرب
منذ ثلاثة عقود والصمت يخيم في العالمين الاسلامي والعربي اتجاه السياسة التي تنهجها أرمينيا في تدمير وتخريب للآثار الإسلامية والمادية والثقافية في الأراضي الأذربيجانية المحتلة، حيث لا تقف عند هذا الحد بل أيضا ضد الحضارة الإنسانية كما جاء في تصريحات مسؤولين أرمين في أكثر من مناسبة، إلا أن دولة الاحتلال الأرميني تضلل الرأي العام وتحاول أن تتنصل من المسؤولية الدولية.
لقد وثقت عدسات الكاميرات التخريب الأرميني الذي لحق بالآثار التاريخية لأذربيجان في جميع المناطق المحتلة، و لقد تم الاستيلاء على المئات من المعالم التاريخية والدينية وهدمها في تلك الأراضي بهدف محو الهوية الاسلامية والتراث الثقافي للشعب الأذربيجاني الذي هو جزء لا يتجزأ من الحضارة الانسانية. وفي هذا الصدد فحماية المعالم التاريخية والثقافية في أراضي جمهورية أذربيجان من مسؤولية المجتمع الدولي، حيث أن هناك عدد من الاتفاقيات الموقعة في هذا الشأن، نذكر من بينها اتفاقية لاهاي عام 1954 لحماية التراث الثقافي في النزاعات المسلحة، والاتفاقية الأوروبية عام 1992 لحماية التراث الأثري، واتفاقية المنظمة العالمية للعلوم والثقافة “اليونسكو”عام 1972 لحماية التراث الثقافي والطبيعي.
ومن خلال تقرير تم تسريبه من داخل دولة الاحتلال للأراضي الأذربجانية تم تخريب 738 من المآثر التاريخية و28 متحفاً يحتوى على 83500 قطعة أثرية و 4 معارض للوحات الفنية و 1107 مؤسسة ثقافية، أضف إلى ذلك الهدم الممنهج للمسجد الجامع في منطقة جبرائيل الذي يعود تاريخه إلى القرن17، كما استهدف الاحتلال الأرميني ثلاثة مساجد أخرى يعود تاريخ تشييدها إلى القرن ،18 ويتعلق الأمر بمسجدي “يوخاري جوهر آغا” و”آشاغي جوهر آغا” ومسجد “ساعاتلى” في مدينة شوشة و كلها لم تنج من عملية التخريب والدمار والهدم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل هناك بعض المآثر التاريخية الإسلامية تم تحويلها الى حظيرة للخنازير مثل مسجد “آغدام”و مسجد “دمير بلاق” في العاصمة المزعومة الذي لم يبق له أثر، كما عمل الاحتلال على تغيير مظهر المسجد الأزرق من خلال الترميم والصيانة.
وتطرق التقرير كذلك لمسجد تعرض للهدم حيث تم تشييده في النصف الثاني من القرن 19 “حاجي نوفروز علي” في مدينة ايرفان، ومجمع قصر الخانات، ومسجد “سردار” في وسط ما يطلق عليه بعاصمة المحتل الأرميني “ايرفان” تعرض هو الآخر للتخريب الممنهج سنة 2014 وصنف خبراء أذربيجانيون عدد من المعالم المعمارية التاريخية والثقافية بما في ذلك المعالم الأثرية في الأراضي الأذربيجانية المحتلة في خانة محاولة محو الهوية الاذربجانية والحضارة الاسلامية معا. والجدير بالذكر أن منظمة حماية المعالم التاريخية والثقافية في باكو حصلت على صور حصرية لـ 2550 من أصل 4500 معلمة دينية وثقافية في الأراضي الاذربيجانية المحتلة ومعلومات عن موقعها الجغرافي ومعلومات أخرى ذات أهمية بالغة .
وفي هذا السياق جاء في التقرير أنه تم نقل حوالي 13000 قطعة ثمينة من متحف “كلبجر للتاريخ والأثنوغرافيا” وما يزيد عن 5000 قطعة نادرة من متحف “لاتشن” للتاريخ والإثنوغرافيا إلى أرمينيا ولحق بمدينة شوشة ضرر في التراث الوطني الديني والثقافي في هذه المدينة وحدها تم تدمير 8 متاحف و 31 مكتبة و 8 من دور الثقافة و نهب حوالي 5000 قطعة من متحف “شوشة للتاريخ”، وحوالي 1000 قطعة من فرع شوشة للمتحف الوطني للسجاد والفنون التطبيقية الأذربيجانية.
وما بين هذا وذاك وتزوير الحقائق حاول الإحتلال الأرميني جاهدا أن يقدم هذه الأراضي على أنها مساكنهم التاريخية من خلال تغيير مظهرها أو إضفاء صبغة أرمينية عليها، كما تستخدم لأغراض عسكرية تلال “قاراكوبك” و”أوزرليك” الأثرية اللتان كانتا من أولى المستوطنات البشرية في الأراضي المحتلة، إضافة إلى كهفي “الأزيك” و”تاغلار” التاريخيان والشهيران.
وواصل الأرمن انتهاكاتهم على الأخضر واليابس من خلال طمس المعالم الإسلامية الطاغية على المنطقة وذلك بهدم المحميات التي تضم مجموعة من المساجد القديمة والتي تعتبر من التحف النادرة مثل مساجد “أشاغي” و”يوخاريجوهرآغا”، “كؤجرلي” و”مردينلي ومسجد “الجمعة” ومجمع “قصر الشاعرة “و”خورشود” “بانو ناتوان” المتواجدة بمدينة شوشة، فضلا عن قصر بناه خان في أغدام وقصور أخرى من ضمنها “حمزة سلطان” و”سلطان أحمد” في منطقة لاتشن التي لحقها الدمار أيضا.
وفي نفس السياق لازال المحتل يقوم بعمليات حفر أثرية واسعة النطاق لا تستجيب للمعايير الجاري بها العمل في هذا الصدد من خلال نقل المكتشفات المنهوبة إلى أرمينيا كما سبق الإشارة إلى ذلك.
وما يندى له الجبين هو إجبار الأسرى والرهائن الأذربيجانيين على تنفيذ هدم الآثار الدينية والثقافية في الأراضي المحتلة، ونقلها فيما بعد إلى أرمينيا وهذا على مرأى ومسمع أبناء الأسرى.
على ضوء هذه المعطيات أنجزت وزارتا الثقافة و الخارجية في جمهورية أذربيجان تقريرين مفصلين، الأول يتعلق بــمحو التراث الديني والتاريخي المتعلق بدين الإسلام في أراضي جمهورية أذربيجان المحتلة من طرف أرمينيا، والثاني يتناول تخريب التراث الأذربيجاني الثقافي والتـاريخي نتيجة الأعمال العدوانية الأرمنية المتواصلة في حق جمهورية أذربيجان،وتقدمت الوزارتان بالتقريرين السالفي الذكر إلى عدة منظمات دولية على رأسها منظمة الأمم المتحدة ،والأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، ومنظمة الأمن ،والتعاون في أوروبا، والمجلس الأوروبي ،ومنظمة التعاون الإسلامي،ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة وغيرها من الهيئات الإقليمية والدولية الشيء الذي ترتب عنه تبني منظمة التعاون الإسلامي ملفات انتهاكات الأرمن في جمهورية أذربيجان، حيث تم إصدار عدة قرارات تدين الأعمال الوحشية والاجرامية للمحتل، كما تم تبني كذلك هذه القرارات في اجتماعات وزراء الخارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة أشغالها بدولة الكويت سنة 2015 وأوزبكستان 2016 وكوت ديفوار 2017، وفي الدورة 46 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي المنعقد في ابو ظبي يومي فاتح وثاني من مارس 2019، صدر هذه الأخيرة قرار يدين كل العمليات الهمجية للمحتل الارميني المتمثلة في تدمير وتخريب الآثار والمقدسات الإسلامية التاريخية والحضارية في أراضى أذربيجان المحتلة .
وتجدر الإشارة إلى أن ممارسات أرمينيا تعتبر انتهاكا صارخا لمعاهدة “لاهاي” بشأن حماية التراث العالمي والثقافي والطبيعي أثناء النزاعات المسلحة سنة 1954 والبروتوكول الثاني الملحق بها سنة 1999 ،حيث ينص الفصل التاسع منه على أن كل قوة احتلال لا يجوز لها المتجارة في الملكية الثقافية والقطع الأثرية وتهريبها إلى الخارج وحظر التغيير المقصود أو المتعمد لمعالم وخصوصيات الآثار الثقافية والتاريخية والعلمية، تعد ممارسات غير قانونية ضد الملكية واالثراث الثقافيين إبان النزاعات المسلحة وهي جريمة عسكرية بحسب قانون الجنائي الدولي، وتتحمل جمهورية أرمينيا كدولة عضو في المؤسسات الدولية مسؤولية على ما ارتكبته من أعمال تخريبية بحق الآثار الآذربيجانية الدينية والثقافية.
في هذا الخصوص، قال الرئيس إلهام علييف، في حديثه في القمة الثامنة عشرة لحركة عدم الانحياز: “دمرت أرمينيا جميع المعالم التاريخية والمساجد والمقابر في الأراضي الأذربيجانية المحتلة، ونُهبت متاحفنا وكنوزنا المادية وغير المادية، تعمدت أرمينيا إضفاء صبغة أرمينية على جميع الأسماء الجغرافية والمعالم الأذربيجانية التراثية في الأراضي المحتلة، في محاولة منها لطمس آثار أذربيجان كما تنهج أنها سياسة الاستيطان غير القانوني وتشارك في أنشطة اقتصادية غير مشروعة في الأراضي المحتلة وذلك في انتهاك صارخ للقانون الإنساني والدولي.
والجدير بالذكر، أن الأرمن يقدمون أنفسهم ضحايا سياسة التصفية العرقية إبان الحرب العالمية الأولى ويستقوون في الوقت الحالي بأعوانهم وأسيادهم شرقاً وغربا لتحقيق مآربهم السياسية المتمثلة في خرافة تكوين “أرمينيا الكبرى” على حساب أراضي الجيران خارقين كل القيم البشرية النبيلة وخارجين عن مبدأ حسن الجوار والتعايش السلمي.