كان الحزب المغربي الليبرالي قد أصدر قرارا من مكتبه السياسي في شهر فبراير من السنة الجارية حول تكليف لجنة حماية المال العام الحزبية بإجراء بحث دقيق و مفصل حول ثلاث مرتكزات أساسية تتعلق بملف الدعم الحكومي لقطاع المحروقات، مع ما ينتج عن ذلك من تسليط الضوء على شخصية مرتبطة بموضوع البحث و التقصي هذا و هي المتعلقة بشخصية عزيز أخنوش. ومحددات تلك المرتكزات الثلاث هي :
– البحث في طبيعة العلاقات الرابطة بين المعني بالأمر وبنك التجارة الخارجية وطبيعة الامتيازات الممنوحة له و المتعلقة بصفقة تأمين تقلبات أسعار النفط ببورصة وول ستريت دون احترام مساطر الصفقات العمومية. وفي هذا الاطار تبين للجنة البحث الحزبية أن السيد أخنوش هو عضو مجلس إدارة البنك المغربي للتجارة الخارجية، و يشرف على مجموعة “أكوا” المحتضنة لأكثر من 65 شركة وتضع اليد على أكبر حصة من تسويق الغاز و المحروقات بالمغرب عبر مئات من محطات إفريقيا، قامت هذه المجموعة بتأسيس شركة HOLDCO سنة 1999 التي خصصتها لقطاع الاتصالات وكدا المساهمة في رأس مال شركة ميديتيل و كي يتسنى لها ذلك اقترضت مبالغ مالية كبيرة من البنك المغربي للتجارة الخارجية BMCEمكنها من شراء 17,6 بالمائة من أسهم شركة ميديتيل. غير أنه تبين في ما بعد أن شركة HOLDCO لصاحبنا اخنوش عجزت عن تسديد الديون لبنك BMCE فقامت ببيع حصصها لصندوق الإيداع و التدبير قصد تسديد ديون ال BMCE. وهذا ما كانت مجلة Les Afriques قد نشرته في صفحتها المخصصة للتكنولوجيا.
من هنا تتضح العلاقة المتينة بين البنك المغربي للتجارة الخارجية الذي يوجد في مجلسه الإداري أخنوش وشركة HOLDCO التابعة لمجموعة أكوا الذي يملكها هو ذاته. و لعل أوضح صورة التنسيق بين المجموعتين ما تم عندما كان أخنوش وزيرا للمالية بالنيابة في الفترة الممتدة بين غشت شتنبر 2013 عندما تم تمرير صفقة وول ستريت حول تأمين تقلبات أسعار المحروقات دون اعتماد مسطرة المناقصة بين الابناك حيث تم عقد الصفقة بين البنك المغربي للتجارة الخارجية و شركة CITI and Morgan Stanley بطلب من وزارة المالية خلال تولي أخنوش منصبها مؤقتا، الشيء الذي يثير العديد من التساؤلات حول الثمن الذي اشترى به BMCE عقد التأمين على أسعار المحروقات هذا، والثمن الذي باع به هذا التأمين للحكومة؟ ولماذا لم تتكفل وزارة المالية بإبرام هذا العقد مباشرة مع مؤسسات التأمين الدولية؟ هذا بالإضافة إلى وضع العديد من علامات الاستفهام حول مضمون التقرير الذي أصدره عزيز أخنوش و الذي أكد عبره أن عقد هذه الصفقة ليس فيه أية فائدة للاقتصاد الوطني و أن المستفيد منه فقط شركات المحروقات الخاصة و أن هكذا صفقات تكبد مالية الدولة خسائر فادحة.
– أما المرتكز الثاني الذي اعتمدته لجنة حماية المال العام
التابعة للحزب المغربي اللبرالي فيتعلق بتسليط الضوء على حالات التنافي المرتبطة بعزيز أخنوش الجامع بين المسؤولية الحكومية ورئاسة أكبر مجموعة تجارية متخصصة في قطاع المحروقات و المعروفة باسم أكوا المالكة لشبكات و محطات توزيع تعد بالمئات موزعة على مجموع تراب المملكة. وتجدر الإشارة إلى أن المعني بالأمر بحكم تحمله حقيبة الفلاحة في حكومة الفاسي مند 2007 فقد كان كذلك عضوا في المجلس الإداري لصندوق المقاصة، وبحكم أن من اختصاصات هذا الصندوق العمل على استقرار المواد المدعمة وعلى رأسها المحروقات بنسبة دعم تصل 80 بالمائة فإن هناك مخالفة واضحة وجلية بين منصب أخنوش في مجلس إدارة الصندوق وصفته كذلك كرئيس لمجموعة أكوا المستفيد الأول من دعم هذا الصندوق .
والأدهى كذلك ما اتخذه أخنوش من قرارات وهو وزير للمالية بالنيابة و المنصبة في مجملها على منح كل الامتيازات لقطاع المحروقات وحمايته من أية قرارات حكومية مؤثرة. ومن تلك القرارات التي اتخدها نذكر القرار 2687 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 12 شتنبر 2013 و المتعلق بعدم مراقبة المصاريف الحكومية الموجهة للمواد المدعمة ومنها بالتحديد قطاع المحروقات، وقرار إبرام عقد التأمين الدولي مع وول ستريت من طرف البنك المغربي للتجارة الخارجية كما سلف ذكره.
– وفيما يتعلق بالمرتكز الثالث خصصته اللجنة للبحث في كافة
الشبهات المرتبطة أساسا باستغلال أخنوش لنفوذه من أجل حماية وصيانة مصالحه الاقتصادية و هي الخطوات التي اعتمدها الأخير بمجرد إصدار صندوق النقد الدولي لتوصياته للمغرب فيما يخص ضرورة رفع الدعم عن المواد المدعمة بما فيها المحروقات لتمكينه من قرض ستة ملايير دولار، وهو ما نفذته حكومة بنكيران حينها و كان له سالب الأثر على مجموعة أكوا التي حرمت من الدعم ليفتح نقاش موسع حول هذا الموضوع يتوج بقرار سياسي مفاجئ وهو المتعلق بانسحاب حزب الاستقلال من الحكومة في 27 يونيه 2013، كما أنه في خضم العطلة الصيفية و أجواء العديد من المناسبات الوطنية تم إصدار جملة من القرارات تتعلق أساسا بمسألة الدعم و المحروقات الشيء لذي يثير الاستغراب حول التوقيت و عدم الرغبة في مناقشتها أمام البرلمان و إطلاع الرأي العام بمحتواها و أهم تلك القرارات نزع الاختصاصات و السلط من الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة و الحكامة ، وقرار إحداث نظام للمقايسة الجزئية لأسعار بعض المحروقات، وقرار وقعه أخنوش يتعلق بتنصيب نفسه نائبا عن وزير الاقتصاد و المالية و نشر القرار في الجريدة الرسمية في ذات اليوم 22 غشت 2013. ثم وقرار يصدره عزيز أخنوش كذلك والمتعلق بإعفاء النفقات المتعلقة بالعمليات المنجزة في إطار تغطية تقلبات أسعار المواد المدعمة من الأمر بالدفع، وهو ما أخرجها من دائرة النفقات العمومية المراقبة.
من هنا يتساءل المرء عن أسباب استغلال العطلة الصيفية و البرلمانية والمناسبات الوطنية لاتخاذ مجموع تلك القرارات البالغة الأهمية و التي تهم أموالا طائلة من ميزانية الدولة. كما تستنتج لجنة حماية المال العام التابعة للحزب المغربي اللبرالي عطفا على ما سلف أن الدعم الحكومي لقطاع المحروقات استفاد منه كثيرا أخنوش بواسطة نفوذه داخل الحكومة من أجل حماية المصالح الاقتصادية لمجموعته أكوا، و إنعاش أرباحها، و هذا ما ألقى بظلاله على الصراع الناجم بين حزب أخنوش و أحزاب أخرى و هو صراع في العمق حول المناصب المتحكمة في الدعم العمومي.
كان هذا مستخلص التقرير الذي رفعته لجنة مراقبة المال العام التابعة للحزب المغربي اللبرالي لإلى المكتب السياسي للحزب بناريخ 26 مارس 2017، تقرير على ما يبدو يؤكد مقولة أمينه العام في معرض حديثه عن زعيم حزب الأحرار حين قال ” هذا الرجل أرسله الله إلى عالم السياسة لنفضحه”…