حوار: الاعلامي السوداني مصعب الهادي ينقل حقيقة الازمة السودانية

منذ أكثر من شهر والسودان يقبع في أزمة داخلية بسبب الحرب الدائرة رحاها بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وهي الحرب التي خلفت لحدود الساعة 750 قتيلا وعشرات الجرحى أغلبهم من المدنيين .

ورغم توقيع طرفي النزاع على إعلان جدة الذي يتضمن مبادئ لحماية المدنيين إلا أن المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع تتواصل على إيقاع القصف الجوي والمدفعي لعدة أحياء بالعاصمة الخرطوم.

وفي محاولة لمعرفة الأسباب الحقيقية للأزمة السودانية وتداعياتها على المنطقة و مناقشة السبل المطروحة لوقف نيران الحرب المشتعلة بين الجيش وقوات الدعم السريع حاورت  للجريدة الإعلامي السوداني مصعب الهادي .

س: كيف تنظرون للصراع الدائر بين قوات الدعم السريع والجيش ألا ترى أن الخاسر الأكبر هو الشعب السوداني؟

ج: الصراع ليس بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بل بين مختطفي قيادة الجيش السوداني من أعوان النظام السابق الذي تم إبادته في ثورة دجنبر 2018 وقوات الدعم السريع.

كما أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع كيان واحد ولا ينفصلا عن بعضهما، فقط الفتنة السياسية التي يعتمدها النظام السابق من أجل العودة من خلالها إلى السلطة في البلاد.

س: في اعتقادك أليس من الأفضل أن تكون زمام السلطة في يد المدنيين وليس العسكر؟

ج: بالتأكيد السلطة يجب أن تكون في يد المدنيين، وهذا ما دعت له ثورة دجنبر المجيدة عام 2018، وطالبت بعودة العسكر إلى الثكنات وتنفيذ المهام العسكرية والتي من بينها استعادة عدد من الأراضي السودانية المحتلة من طرف الدول المجاورة للسودان.

وقبل قيام هذه الحركة كان هناك اتفاق على إرجاع السلطة للمدنيين بشكل كامل، ولكن القوات المسلحة السودانية واختطافها من قبل ممثلي النظام السابق هي من عرقلت هذا الاتفاق الذي لم يرى النور إلى اليوم.

س: هل هناك أي وساطات أفريقية أو ودولية لحل الأزمة في السودان؟

ج: الوساطات لحل الأزمة السودانية لم تتوقف ولم تدخر جميع دول العالم جهدا في حلها، حيث رأينا الكثير منها اتخذت زمام المبادرة من أجل وضع حد لمعاناة السودانيين، ومن بينها المملكة العربية السعودية، التي عبرها تم الاتفاق يوم الخميس، بين الطرفين والذي على إثره تم توقيع 3 شروط حاكمة و21 التزاما يطبق فوريا، في إطار إعلان جدة.

كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات بالإضافة إلى دولة أثيوبيا وأرتيريا قاموا بعدة مبادرات لحلحة الوضع والتخفيف على المواطن السوداني الذي يعتبر المتضرر الأكبر من النزاع الدائرة بين الطرفين.

كثير هي المبادرات لحل الأزمة السودانية سواء كانت عربية أو إقليمية أو دولية لوأد الفتنة ووقف تطور هذا الصراع، ولكن عدم الثقة بين الطرفين (القوات المسلحة السودانية والدعم السريع) هي ما تٌحِيل دون أن تطبق هذه المبادرات على أرض الواقع وذلك نسبة للتقاطعات السياسية والتجاذبات المختلفة بين المتصارعين.

س:رغم إعلان الهدنة بين الطرفين يتم خرقها باستمرار  ..لماذا ؟

ج: عدم الالتزام يأتي من طرف واحد وهي القوات المسلحة السودانية التي تعلن عن التزامها بالهدنة وسريعا ما يشعر المواطنون البسطاء بتحليق الطيران الحربي فوق رؤوسهم وسماء المدن بالإضافة إلى القصف العشوائي الذي ألحق أضرارا كثيرة بالأسر السودانية جراء عدم الالتزام بالهدنة.

عدم الالتزام بالهدنة من قبل الجيش السوداني ومهاجماته بالطائرات للمباني والأحياء المأهولة بالسكان ناتج عن عدم وجود قوة مشات على أرض الواقع تمكنه من إعادة السيطرة على الأوضاع.

وغياب الثقة بين الطرفين هو نتاج محاولة النظام السابق لاستغلال أي فرصة سانحة  لمحاولة الغدر والخيانة من أجل السيطرة مجددا على مجريات الأوضاع وإعلان حكومة من طرف واحد .

س: إجلاء الأجانب من السودان ألا يدل في نظركم على إطالة أمد القتال بين الطرفين؟

ج: إجلاء رعايا الدول هو نتاج التقديرات والتقارير الدولية التي أنجزت عن الخرطوم، إذ رجحت بشكل كبير على أن الخرطوم معرضة للانهيار ونشوب حرب أهلية قبلية.

ورغم الصراع إلا أن الطرفين حرصين على عدم الانزلاق، خصوصا قوات الدعم السريع حريصة جدا على عدم نشوب صراع قبلي بين السودانيين، وذلك لكون القوات المسلحة يوجد ضمنها ممثلين عن نظام عمر البشير البائد، التي تستعير بنار الفتنة لتأجيج الموقف وتأجيج الحرب الأهلية.

الدولة السودانية لازال فيها جيوب تابعة للنظام البائد من منتسبي الحركة الإسلامية والجماعات الإرهابية المتطرفة التي ربما تتخذ الأجانب ذريعة للضغط على المجتمع الدولي لتنفيذ مخططاتها، ولكن نباهة قوات الدعم السريع وفطنة المجتمع الدولي منعت دون الوقوع في الكارثة، لذلك دعت بسرعة إلى إ جلاء الرعايا الأجانب لعدم إقحامهم في هذا الصراع تحت أي ذراع كان أو اتخاذهم كرهائن لتنفيذ مخطط الحركة الإسلامية في السودان.

س: ما دور الأحزاب السياسة في السودان في حلحلة الأزمة الراهنة؟

ج: الأحزاب السودانية لم تقف عاجزة أو مكتوفة الأيدي في هذا الصراع، إذ كانت هنالك الكثير من المحاولات والتواصل مع طرفي النزاع من أجل إخماد فتيل الفتنة والأزمة، إلا أن عدم التزام القوات المسلحة السودانية ومراوغاتها المستمرة هي ما تقف عقبة وحاجزا دون تنفيذ أي من المبادرات من طرف الأحزاب السودانية.

بالعودة إلى ما قبل نجد أن الأحزاب السودانية دوما ما سعت وساهمت كثيرا لعدم الوصول لهذا الوضع الحالي من خلال الحوار السوداني -السوداني، وعملت من خلال الكثير من الورش والجلسات للتطرق للقضايا الأساسية وفعلا تم ذلك فيما بينهم في إطاري مباركة دولية، إلا أن عدم اكتماله بالتوقيع النهائي هو نتاج للمراوغة التي عمل عليها قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان وأدت في النهاية إلى هذا الصراع العسكري الذي يحدث الآن في البلاد.

س: في نظرك لماذا يعاني السودان منذ استقلاله وعلى مدى عقود من ويلات الانقلابات؟ 

ج: يعاني السودان منذ استقلاله من الانقلابات نسبة لإقحام الساسة والسياسيون المؤسسة العسكرية في العمل السياسي.

وبالعودة إلى الماضي منذ الاستقلال نجد الأحزاب هي قامت بإقحام العسكر في الميدان السياسي وهذا بدوره ما عظم من المطامع العسكرية بالانفراد بالسلطة.

س: ألا ترى أن خيرات السودان محط أطماع خارجية ؟ 

ج: أتقف معك السودان منذ سنوات وهي محط أنظار العالم وهي دافع لأي دولة لمحاولة الاستفادة أو السيطرة عليها، وذلك بسبب ضعف مركز القرار والمزايدات السياسية التي تنشب في السودان بين الفينة والأخرى.

وهذه الصراعات أضعفت القيادة وجعلتها أوهن من بيت العنكبوت مما دفع تابعي عمر البشير لاختطاف القرار القيادي وإضعافه، لصالح دول كثيرة مكنت نفسها من البنية التحتية اللوجستيكية للسودان.

مجمل الأسباب هي الحروب التي دارت في السودان وأفقدت السودانيين الثقة في القيادة ومركز القرار.

س: ألا تعتبر أن المواجهات العسكرية بين قوات الدعم السريع والجيش تجر البلاد نحو التقسيم  إلى دولة ثالثة؟

ج: الإرهاصات المترتبة ما بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في المستقبل، في حالة تطور هذا الصراع يمكن أن تقود لنتائج عكسية كبيرة جدا من بينها الانفصال وذلك نسبة للتقاطعات المجتمعية الكثيرة المتواجدة في البلاد.

والانفصال غير مستبعد في حالة تطور هذا الصراع وقيام دولة ثالثة في السودان، وذلك نسبة لعوامل كثيرة مازالت قائمة منذ استقلال السودان وتنموا بشكل متراكم وكثيف جدا.

وقيام دولة ثالثة في السودان تسعى له عدة جهات دولية والسيناريو قد أحيك من قبل لقيام أكثر من دولة في أرض النيلين، إذ بدأت بالجنوب وربما تنشأ غربا وشرقا وفي الوسط، وهذا غير مستبعد في حال تطور الصراع وعدم حلحلته بشكل سريع جدا.

س: في نظرك من المستفيد من إضعاف الاقتصاد السوداني في هذه المرحلة؟

ج: إضعاف الاقتصاد السوداني هو ما عملت عليه دول كثيرة في المحيط الإقليمي وفي المجتمع الدولي، نسبة لإضعاف مراكز القرار واختطاف القيادة السودانية حتى تسيطر على الموارد في السودان.

والاقتصاد في البلاد هو هدف كبير عملت عليه عدة دول للاستفادة منه، وقد كٌشفت خلال السنوات القليلة الماضية العديد من المؤامرات التي نٌسجت عن الكثير من الدول ولمست في العيدي من المؤتمرات والمناقشات الإقليمية والدولية.

والأطماع الكثيفة حول موارد السودان هي بالتأكيد تفتح عين أي دولة في العالم للسيطرة على مركز قرار البلاد وإضعاف اقتصاد السودان.

س: لماذا الأطراف السودانية لم تستفيد من الانقلابات السابقة في البلاد والانقسام الداخلي ؟

ج: عدم تطور العملية السياسية هو ما يضعف من الاستفادة من تجارب الماضي، وذلك نسبة لقيام عقيدة ديكتاتورية عسكرية تعمل على إضعاف دور العملية السياسية في السودان من خلال البطش والتهجير.

وعدم الاستفادة من الماضي هو أساس قيام ديكتاتوريات مستبدة في السودان، وذلك جعل من المشهد السياسي في السودان مشهد كلاسيكي جدا وغير متطور كي يٌمكنه التمحيص والتحليل والمراجعة وبناء خريطة متينة للمستقبل.

كما أن الضعف السياسي ساهم كثيرا في عدم الاستفادة من تجارب الماضي بسبب الديكتاتوريات التي مرت على السودان ومازالت تمر عليه والتي قامت بجميع الانقلابات فيه.

س: هل المجتمع الدولي خذل الشعب السوداني، من خلال اهتمامه أكثر بإجلاء رعاياه دون الاكتراث لمصير السودانيين؟

ج: المجتمع الدولي لم يخذل السودان، ومن خذلها هو المؤسسة العسكرية بعدم اهتمامها بأمور الوطن والمواطن وانشغاله أكثر بالمطامع الشخصية الضيقة.

المجتمع الدولي عمل كل ما في وسعه لعدم الوصول لهذه النقطة التي تقبع فيها السودان حاليا، بالإضافة إلى تطور السودان ومساعدته من أجل تهيئته لجميع الظروف التي كان من الممكن استغلالها والاستفادة منها، إلا أن العقلية السياسية السودانية المتحجرة والمؤسسة العسكرية التي تعمل بعقلية قديمة هي من أفقدت المجتمع الدولي الثقة في القيادة .

ومن خذل الشعب السوداني القائمون على أمره ومركز قراره وقادته.

س: هل من الممكن أن تتأثر بلدان عربية أو إفريقية بالصراع الدائر في السودان؟

ج: في حالة تطور هذا الصراع في هذا السودان هنالك الكثير من الدول العربية والأفريقية ستتأثر بالأحداث الجارية فيه، إذ ربما تنعكس ذات الأحداث في عدد من الدول الأفريقية المجاورة للسودان نسبة لهشاشة موقفها الذي لايختلف عن الخرطوم.

وأذكر من بين الدول التي ستتأثر كثيرا لتطور الصراع في السودان هي دولة مصر الشقيقة التي تعتمد بشكل كبير على صادرات السودان في اقتصادها من ثروة حيوانية ومن ثروة نباتية، كذلك دول مثل التشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وذلك نسبة لهشاشة الموقف الأمني فيهم، إذ من الممكن أن يتأثروا بهذه الأحداث وتنعكس عليهم بأثر سلبي بشكل واضح.

وتأثير حرب السودان بالقطع لن يتوقف في المنطقة فقط بل سيمتد إلى الكثير من دول العالم التي تعتمد اقتصاداتها كليا على صادرات الخرطوم في العديد من الصناعات.