حصلت جمهورية أذربيجان على الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي السابق في أكتوبر 1991 ، وفور إعلان الاستقلال لاحت في الأفق بوادر أزمة داخلية طاحنة بين رواسب وأتباع النظام السابق الذين ارتبطت مصالحهم وحياتهم به من جهة، وبين الثوار والشعب من جهة أخرى ، وكانت حالة من الفوضى والاضطرابات تسود في الدولة الوليدة ، كما كانت الأوضاع في الجيش تشتد صعوبة وتتزايد حالات الفرار من الجيش ، وكان الاحتلال الأرمني يتقدم كل يوم نحو أراضي الوطن مستغلا حالة الفوضى الداخلية ، ومدعوماً من الجيش السوفيتي الذي لم يغفر لأذربيجان سعيها للاستقلال والحرية ، وظهرت حالة من الفراغ في السلطة بعدما تناحر الجميع واختلطت الأوراق ، وكانت البلاد علي شفا حرب أهلية ، فقد كانت المجموعات المختلفة تتصارع مع بعضها من أجل الحكم على الجمهورية الفتية ، وأثبتت الجبهة الشعبية من أول يوم أن وصولها الى السلطة لتحقيق أحلام الأمة الأذربيجانية في الاستقلال والحرية أمراً صعبا وسط هذه الأجواء الملبدة ، والمؤامرات المدبرة من الداخل والخارج ، وأن إدارتها للبلاد في ظل تلك الظروف أمراً غاية في الصعوبة ، وأن إنقاذ البلاد في حاجة إلي معجزة ويتطلب شخصية قادرة علي القيادة الحكيمة لينزع فتيل الحرب الأهلية ، ويفتح باب الأمل نحو الحرية
في ظل تلك الظروف الحالكة لم يظهر للوطنيين من أبناء الشعب الا حيدر علييف، الابن البار الذي اظهر حنكته وتبصره إبان تواجده في اللجنة المركزية ومجلس السوفييت في عهد الاتحاد السوفييتي وكذا تسيير دواليب مقاطعة ناخيتشيفان ليحضر الى باكو، وقبل حيدر علييف الدعوات المتكررة من أبناء الشعب ومن مختلف الدوائر والمؤسسات الحكومية ووصل الى العاصمة يوم 9 يونيو 1993
استطاع حيدر علييف في وقت وجيز الوصول إلى حلول لمشاكل الوطن الملتهبة، وأن ينقذ البلاد عن شبح الحرب الاهلية، ولذلك لم تكن هناك صعوبة في إجماع القوي الوطنية ومن خلفهم شعب أذربيجان من انتخابه في 15 يونيو عام 1993 رئيسا للمجلس السوفييتي الأعلى لجمهورية أذربيجان، بعدما ظهرت حكمته الرشيدة ومهارته السياسية وقدرته على قيادة البلاد لتحقيق أهداف الأمة، ومنذ ذلك التاريخ عُرف يوم 15 يونيو في تاريخ أذربيجان بيوم (الإنقاذ) النجاة الوطني، وأصبح عيداً وطنياً تتذكره الأجيال.
ورغم احتلال جزء كبير من أراضي أذربيجان ، حوالي خمس أراضيها من قبل أرمينيا منذ استقلال البلاد ، إلا أن سياسة الزعيم الوطني حيدر علييف التي اعتمدت علي حل كل القضايا الداخلية والخارجية بالطرق السلمية ، فكما استطاع قيادة بلاده والنجاة بها من الحرب الأهلية ، فإنه سلك الطرق السلمية لتحرير أراضي بلاده من الاحتلال الأرمني فاتجه إلي المؤسسات الدولية ، فصدر عن مجلس الأمن سنة 1993 ، أربع قرارات تساند بلاده في تحرير أراضيه من الاحتلال الأرمني ، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس 2008 ، وقد دعت تلك القرارات جميعا أرمينيا إلي الانسحاب الفوري ودون قيد أو شرط من أراضي أذربيجان التي تحتلها ، وأن تتحمل تبعات ونتائج ذلك الاحتلال من تعويضات للسكان الذين تم تدمير بيوتهم وأراضيهم ، وعودة السكان المشردين والذين نزحوا من أرضهم وبيوتهم هربا من القتل ونيران الحرب والترويع .
ومع امتلاك أذربيجان للمقومات والإمكانيات التي تؤهلها لاسترداد أراضيها بالقوة العسكرية، وخاصة بعد إعادة بناء قواتها المسلحة وتدريبها وتزويدها بأحدث الأسلحة المتطورة نتيجة لحالة الازدهار الاقتصادي، التي تعيشها البلاد، ووفرة رؤوس الأموال من عائدات بيع النفط والغاز، إلا أن القيادة الأذربيجانية تسير على نفس خطى زعيمها القومي حيدر علييف في اتباع الطرق السلمية لاسترداد أراضيها واستنفاذها لكل السبل الدبلوماسية قبل اللجوء للحلول العسكرية.
إن ما اتخذه الزعيم القومي، الذي كان يجد معنى حياته في الخدمات والأعمال الجليلة المتميزة لشعبه ودولته خلال توليه زمام الحكم في الجمهورية الشابة المستقلة حولت، خلال فترة قصيرة من الزمن، أذربيجان إلى بلد صاحب النفوذ الكبير والرأي السديد على الصعيد الدولي، وكان البلد آنذاك لم تمض فترة طويلة على إعادة استقلاله، الى استمرار حالة الحرب مع أرمينيا. مما اضطرالدول الكبرى والشركات العملاقة للتحفظ والحذر للقيام باستثمارات في أذربيجان. غير أن نفوذ الزعيم القومي على الصعيد الدولي قضى على تخوفات المترددين، وتم توقيع اتفاقيات نفطية في 20 سبتمبر عام 1994م، التي كانت نقطة انطلاق نحو تحديث أذربيجان وتاريخها. وهذه الاتفاقيات التي أطلقت عليها فيما بعد اسم “معاهدة القرن” كوّنت أرضية صلبة وموثوقة للتطور المستقبلي للبلد وأمنه مع تعزيز موقف أذربيجانعلى خارطة العالم. وبدأ أذربيجان يعرف على صعيد جميع العالم كبلد النفط والغاز.
ان يوم النجاة الوطنية الذي يصادف الـ 15 من يونيو، لم يدخل في تاريخ جمهورية أذربيجان الحديث كمجرد يوم تقويمي، بل وبوصفه يوماً ذا أهمية اجتماعية وسياسية وتاريخية خاصة.
وهكذا دخل 15 يونيو في تاريخ أذربيجان الحديث بوصفه يوم النجاة الوطنية، فخلدته السلطة التشريعية العليا في البلد نزولاً عند رغبة الأطياف المختلفة من الشعب. وفي 27 يونيو 1997 أصدر المجلس الوطني الأذربيجاني قراراً بمنح الصفة الرسمية لذلك التاريخ. وينص القرار على «أن يعد عودة حيدر علييف إلى الحكم رضوخا لإرادة شعبه في أصعب الأيام التي تقررت خلالها حرية الشعب الأذربيجاني ومصير الدولة المستقلة، حيث مثّل توليه رسالة صعبة ونبيلة بغية إنقاذ جمهورية أذربيجان المستقلة والشعب الأذربيجاني والإنجازات المحرزة أثناء الحركة التحررية القومية من الاندثار. وكانت تلك الخطوة بمثابة تفان منقطع النظير لابن الوطن ذي القلب العظيم أمام شعبه ووطنه».
ومنذ ذلك الوقت وإلى اليوم، يحتفل الشعب الأذربيجاني بيوم 15 يونيو عيداً غالياً له ويعده نقطة انطلاق بناء دولة أذربيجان. وفي السنوات المنقضية، فإن رسالة النجاة النبيلة التي حققها زعيمنا الوطني أنقذت أذربيجان التي كانت على قاب قوسين أو أدنى من التلاشي أمام شعبها والعالم بأسره، وجعلتها دولة قوية تنظر للمستقبل بثقة. واليوم فإن الإنجازات الضخمة التي نفذها حيدر علييف، بفضل عمله الدؤوب وعزيمته الصلبة، خلال تلك السنوات، تبهر الداخل والخارج.
وفي غضون فترة الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، اتخذ حيدر علييف الخطوات المتتابعة لبناء التضامن الوطني من أجل أهداف أذربيجان وتوطيد استقلالها، حيث شهدت باكو إطلاق مؤتمرات أذربيجانيي العالم بهدف تقوية علاقة المواطنين الأذربيجانيين المقيمين في مختلف القارات بوطنهم التاريخي وتعزيز وحدتهم اللغوية والعقائدية والعملية.
تمر الأعوام، ويستمر طريق النجاة الوطنية لجمهورية أذربيجان الذي سبق أن حدده حيدر علييف. الطريق الذي يؤدي بأذربيجان إلى الارتقاء والنماء والمنجزات المطردة. لقد أعلن حيدر علييف بحكمته الفريدة حينئذ: «من الآن فصاعداً، لن تستطيع أي قوة أن تسلب استقلال أذربيجان أو أن تزيل دولتها». هذه الثقة وتلك العزيمة تكمنان في معنى يوم النجاة الوطنية ودروسه وعبره. وبقدر ما تقوم أذربيجان، تظل أفكاره وأعماله تأخذنا دوما إلى الطريق الصائب نحو الأمام.
لقد نعت فخامة إلهام علييف والده، الزعيم الوطني على النحو الآتي: كان حيدر علييف منتصراً على الدوام، وقد خرج منتصراً من كافة المعارك ولم يستطع أحد على هزيمته، لا من الأعداء في الخارج ولا ممن حاولوا تقديم أنفسهم كخصوم له داخل أذربيجان. اليوم حيدر علييف ليس بيننا، إلا أنه في قلوبنا وأفكاره وأعماله وسياسته قائمة وستدوم إلى الأبد.
عزيمة حيدر علييف لا تقهر، وبعد نظره وتفانيه جعلاه زعيم أذربيجانيي العالم، ووفاؤه للوطن في كافة أعماله حوّله إلى نموذج في خدمة الوطن، وبالتالي إلى زعيم وطني لا مثيل له. لقد كان الزعيم الوطني رجل الدولة والسياسي الحكيم الذي كرس حياته لشعبه وبلده اللذين أحبهما أكثر من حياته، ما أكسبه صفة باني الاستقلال في تاريخ أذربيجان الحافل. ويتعامل الشعب الأذربيجاني عن حق مع تراث حيدر علييف على أنه ضمان استقلاله.
تعيش جمهورية أذربيجان اليوم فترة جديدة من الإصلاحات على نطاق واسع وشامل، حيث تغطي الإصلاحات كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية وتتضمن هيكلة الحكومة والموارد البشرية.
فتحت قيادة فخامة الرئيس إلهام علييف، الذي يواصل بإبداع متطور استراتيجية التنمية التي وضع أسسها الزعيم الوطني حيدر علييف، وبرنامج الإصلاحات المتعددة، تخطت أذربيجان بشكل سريع مرحلة التنمية التي تتجاوزها العديد من البلدان المتقدمة على مدى عقود، لتصبح أول بلد اختتم المرحلة الانتقالية على صعيد ما بعد السوفييت، ما جعل البنك العالمي والبنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية يشيدان بالإصلاحات الجارية في أذربيجان.
خلال السنوات الأخيرة اتسعت جغرافيا السياسة الخارجية الأذربيجانية، واليوم أذربيجان عضو في عدة منظمات دولية وإقليمية تشمل منظمة الأمم المتحدة، منظمة التعاون الإسلامي، منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، المجلس الاوروبي. وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية
على صعيد الدبلوماسية الإنسانية والثقافية والرياضية، ظهر جليا الدور الحاسم والحيوي الذي تلعبه السيدة مهربان علييفا، النائبة الأولى لرئيس جمهورية أذربيجان، فمنذ سنوات طويلة والسيدة مهربان تساهم بفعاليات متعددة الجوانب في تنمية الدولة المستقلة وخدمة الشعب. كما أن فعاليات وأنشطة السيدة الأولى الأذربيجانية لقيت تقديرا عاليا من جانب المنظمات الدولية. والوقائع تدل على ذلك حيث أن السيدة مهربان حصلت على لقبي سفيرة النوايا الحسنة لليونسكو والإيسيسكو.
ومنذ استقلال أذربيجان في 18 أكتوبر عام 1991 وهي تتبع نهجا سياسيا واقتصاديا ناجحا وضع بنيانه الزعيم القومي حيدر علييف، ويواصل هذا المسار الاستراتيجي بكل ثبات وحكمةفخامة الرئيس السيد إلهام علييف، وبفضل هذا النهج القويم استطاعت أذربيجان الحفاظ على استقلالها السياسي والاقتصادي. كما أن بصمة رئيس جمهورية أذربيجان السيد إلهام علييف على مدى السنوات الأخيرة، كانت حاضرة في إنجازات لا يستهان بها في مجال الحوار بين الثقافات والتعددية الثقافية التي أصبحت تقليدا مثاليا تنهجها البلاد.
تبقى الاشارة الى أن الاحتفال بالذكرى 15 يونيو لهذه السنة يصادف انتصار أذربيجان الكبير الذي حققته بعد معركة 44 يوما، باسترجاع أراضيها المغتصبة من طرف أرمينيا، هذا الانتصار الذي تم بفضل حكمة وتبصر فخامة الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، وأيضا بفضل حماسة وبسالة جيشه العتيد، ثم أيضا بفضل العزيمة القوية والارادة الثابتة للشعب الأذربيجاني الذي وقف وقفة رجل واحد يدافع عن كل شبر من أراضيه، وقد تحقق لهم ذلك بالتحالف مع اصدقائهم. وبفضل هذا الانتصار الكبير تعمل أذربيجان اليوم على إعادة بناء وإعمارالأراضي المحررة مع تقويم هياكلها وتعبيد طرقها وتحقيق طموحات ساكنتها في إطار خدمة المواطن الأذربيجاني
نهوض الأمم وتقدم الشعوب ورقيها لا يتحققان إلا بتوفير إدارة رشيدة حكيمة، تستطيع النظر للمستقبل بعين ثاقبة، ومعالجة القضايا والمشاكل بحكمة واتزان يكون هدفهما ترشيد الخسائر قبل تحقيق المكاسب، أو درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وفي نفس الوقت الحزم في قضايا الوطن التي لا تقبل المساس والتهاون او المساومة فيها.