نشهد هذه الايام تصريحات تصعيدية واضحة بين روسيا وامريكا ، هذا التصعيد ليس بالمسرحية كما يعتقد بسطاء الناس ، بل هي تنم عن توتر حقيقي وتصعيدي بامتياز ، لا يتمحور الخلاف بين الطرفين على سوريا لا على الاطلاق ،
انما متعلق بالدرع الصاروخي الامريكي واوكرانيا والعقوبات الاقتصادية على الروس ، الروس الذين لم يشعروا يوماً واحداً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بانهم يعاملون كشريك دولي فاعل ، انما يعاملهم الغرب وأمريكا على انهم ليسوا الا دولة اقليمية لا اكثر.
قد يقول العبض ان ما يريده الروس في سوريا هو ان يشعروا العالم انهم اصحاب القرار الاول والاخير هذا ليس صحيحاً على الاطلاق .
هناك قضية لا يستطيع الروس ولا الامريكان تجاوزها الا وهي الدور الايراني ، فالامريكان وفق اتفاقهم النووي الذي ينص بأن الاتفاق يعتبر لاغياً في حال اتخذت أمريكا مواقف حاسمة او تؤدي لسقوط الاسد ، ومن هذه الثغرة استطاعت ايران ان تتواجد على الارض وهي القوة الوحيدة التي لا يمكن الاستغناء عنها وهي ترفض الخروج على الاطلاق ، والروس بالمقابل لا يستطيعون التواجد الا بهذا الغطاء الجوي العنيف في محاولة منهم اثبات انهم أصحاب القرار .
الا ان الطرفين الروسي والامريكي ما استطاعوا الى اليوم ان ينزعوا الدور الايراني من سوريا بعد ان تغاضوا عنه منذ البدايات بموافقة اسرائيلية على دخول حزب الله سوريا وهذا ما كان ليتم لولا ان هناك اتفاق حقيقي بين نظام الملالي بطهران الذي ما انقطع لحظة عن التنسيق مع اسرائيل التي دعمته بالاسلحة آيام حربه مع العراق .
العقدة الحقيقية بسوريا هي الدور الايراني الذي استطاع ان يحرج الروس والامريكان على حد سواء ، ومن يقول ان امريكا تستطيع نزع الدور الايراني فهو واهم .
هذه العقدة اثرت كثيراً على ما يبدو في اللعبة الاستراتيجية المتوقعة والمخطط لها ان تكون ، فتجاوز القصف الروسي حد المعقول لاسقاط حلب كان بمثابة مؤشر على هذا التجاوز الذي يخفي تحته الكثير من الخلافات بين الطرفين ، وعلى اثر ذلك طار وزير خارجية فرنسا الى موسكو لابلاغهم ان أمريكا ستضرب في سوريا ان لم تتراجعوا عن مواقفكم التي اعتبرت اهانة لأمريكا وذلك من خلال الحراك السياسي الامريكي بين النخب على ما وصلت اليه هيبة امريكا امام العالم وعلى الخطوط الحمراء الاستراتيجية التي وصلت اليها روسيا واصبح من الصعوبة بمكان معالجتها الا باستخدام القوة الامر الذي يهدد السلام الدولي وينبأ بعظائم الامور والمواجهة المفترضة بين الروس والامريكان .
مما اجبر السيد اوباما في ايامه الاخيرة لبحث خيارات غير دبلوماسية ويعني انها ” خيارات عسكرية ” الروس يلعبون جيداً بالزمن المتبقي لهذه الادارة الضعيفة التي اهانت امريكا ، او لربما الامور خرجت عن المتوقع بتهور اوباما الذي يتحدى امريكا عبثاً .
وعلى اثر زيارة وزير خارجية فرنسا لموسكو وابلاغهم جدية الموقف الامريكي لاحظنا أن روسيا سارعت لطلب عقد اجتماع طارىء لمجلس الامن لمناقشة الوضع السوري !
في الفترة القادمة سيكون هناك تغييرات جوهرية لكلا الطرفين سنرى وقعها على الارض ، امريكا في ورطة والروس في ورطة ، امريكا التي باعت شركائها وحلفاؤها بالخليج والعالم العربي وحتى تركيا بثمن بخس ورخيص جداً ، هذه خسارات أمريكا على الاقل حتى الان ، فهل تستطيع امريكا اعادة الامور الى نصابها ام ستبقى الجانب الذي لا يؤمن جانبه ولا صداقته لدى حلفاؤها الذين بدأوا بتغيير تعاملهم بالدولار الى اليَن الصيني ؟
لا شك هناك تغيرات جوهرية بالمنطقة والعالم ، ولكن أمريكا وفق تكوينها وامكاناتها تستطيع فعل ما لا يتوقعه احد ولا تعرف من اي اتجاه ستضرب وبأي طريقة ، فالطرق تبدأ من الاختراقات لانظمة الحكم في العالم الى تقويضها من الداخل الى تأيين الجو فوق روسيا بحيث روسيا تفقد توازنها العسكري تماماً في لحظات ، وشتان بين العملاق والقزم …. شتان بين العملاق والقزم ….
السلطة الرابعة : العميد مصطفى الشيخ