عندما نستحضر الذكريات مع الإذاعة الوطنية خلال سنوات السبعينيات من القرن الماضي، تحضر أسماء كبيرة في القيمة كانت تدخل إلى البيوت المغربية حاملة معها الفرحة والبهجة إلى الأسر والعائلات التي كانت تعشق المتنفس الوحيد لديها آنذاك “الإذاعة” حتى النخاع.
من بين هذه الوجوه نذكر الفنان والأديب الإذاعي سي محمد بنهمو الذي كان يقدم أعماله خلال الفترات الصباحية، وخاصة البرنامج الشهير “ما يطلب المستمعون” لمعده المرحوم سعيد الزياني، كما كان يقوم بمهمة التذييع من خلال الربط بين الفقرات والبرامج الإذاعية بطريقة احترافية ورائعة، كان ذلك بالضبط بين سنتي 1971 و1973 صحبة زملاء له نذكر من بينهم عبد اللطيف بوعياد وأحمد عكة وأم كلثوم الأبيض وفريدة النور وخديجة كيدا ومحمد نجيب …. وكل هؤلاء وغيرهم كانوا يشتغلون تحت إشراف المسؤول عن قسم الإنتاج العربي الراحل الأستاذ إبراهيم الوزاني، علما أن مدير الإذاعة الوطنية آنذاك كان هو الأستاذ ومربي الأجيال سي محمد بنددوش، هذا الأخير تدرج في السلم الإداري بعدما كان مذيعا رائعا وصحافيا محنكا بذات الإذاعة لعدة سنوات.
المذيع والمنشط السي محمد بنهمو المهووس بالفن الموسيقى منذ صغره، انتقل أواخر 1973 إلى قسم الموسيقى بالإذاعة الذي كان يشرف عليه الموسيقار الراحل الأستاذ أحمد البيضاوي، وهنا وجد ضالته مع المجموعة الصوتية “الكورال” التي كانت تشتغل رفقة الجوق الوطني لدار الإذاعة آنذاك برئاسة الفنان الكبير المرحوم عبد القادر الراشدي، حيث ساهم في إنجاز أروع الأغاني الخالدة التي لايزال الجمهور المغربي يتغنى بها في الزمن الحالي، رغم مرور عدة عقود على تسجيلها، وخاصة مع المطربين الرواد عبد الهادي بلخياط، إسماعيل أحمد، محمد الحياني، محمود الإدريسي وغيرهم.
ومن بين الأسماء التي رافقت الفنان محمد بنهمو في الكورال ولعبت دورا كبيرا في نجاح الروائع الغنائية المشار إليها آنفا. نذكر الفنانين عبد السلام أمين ومحمد بنبراهيم وعفيفي، وشموس ولطيفة أمل والزروالي وبلبشير.
فناننا سي محمد بنهمو كان من أول المساهمين بالغناء رفقة المجموعة الصوتية التابعة للجوق الوطني لدار الإذاعة الوطنية في أغاني المسيرة الخضراء والتي لاتزال تردد لحد الساعة وفي طليعتها الرائعة التي تحمل عنوان “نداء الحسن” من كلمات المرحوم فتح الله المغاري وألحان سي عبد الله عصامي. وهنا لابد من التذكير بالأسماء الشهيرة للمطربين الذين كانت تضمهم المجموعة الصوتية “الكورال” وفي مقدمتهم إسماعيل أحمد، أحمد الغرباوي، محمود الإدريسي، محمد علي، محمد الحياني، لطيفة أمل، بهيجة إدريس وعماد عبد الكبير.
بعد هذه النجاحات على مستوى الكورال بالجوق الوطني للإذاعة، أصر الفنان والإذاعي محمد بنهمو على أن يستكمل تعليمه الموسيقي الأكاديمي، حيث التحق بالمعهد الوطني للموسيقى والرقص الذي كان يديره في منتصف السبعينيات الأستاذ أحمد عواطف. هذا الأخير أعجب بنباهة الفنان بنهمو في الموسيقى خلال استقباله له بمكتبه لأول مرة ولمدة نصف ساعة، إذ أحاله بعد ذلك على الأستاذ بذات المعهد محمد بلخياط المتخصص في آلة العود، الذي رحب به وطلب منه أن يعزف أمامه بعض المقاطع، وعندما استلم الفنان بنهموآلة العود وشرع في العزف لعدة دقائق، أعجب به أيما إعجاب ثم رشحه للدراسة في السنة الثالثة بدل الأولى أو الثانية، كانت تلك بداية ناجحة في المعهد المذكور لتتوج المراحل التي تلتها سنة 1983 بنيله عن جدارة واستحقاق شهادة نهاية السنة السابعة في الموسيقى “تخصص آلة العود”، لتزداد الطموحات وتكبر الآفاق بعد ولوجه مجال التوزيع الموسيقي “أرموني” تحت إشراف الأستاذ التاسفي، كما درس أيضا العزف على آلة البيانو تحت إشراف الأستاذة “ليزانكوفا“.
وبالعودة إلى سنة 1975 فخلالها أعد الفنان بنهمو أول لحن له من خلال أغنية بعنوان “أراك” ومن شعر أبو القاسم الشابي وغناء الفنان القدير المرحوم إسماعيل أحمد، لينتظر أربع سنوات كانت كلها بحث وتنقيب في الميدان الموسيقي، حيث جادت قريحته بلحن ثاني لأغنية تحت عنوان “نار الفراق” من كلمات وغناء المبدع الراحل فتح الله المغاري سنة 1979، لتتوالى أعمال أخرى في اللحن من قبيل أغنية “السعادة” من أداء عبد اللطيف بن الشريف وكلمات الأديب والفنان المسرحي حمادي التونسي سنة 1980، و”شعب الحرية” من كلمات الشاعر الغنائي والزجال سي محمد الرياحي وغناء المطربة حياة الإدريسي كان ذلك سنة 1983، ومحاورة “موسم القمح” من كلمات محمد الرياحي وأداء تحفة المذكوري ومحمد شفيق.
الملحن القدير محمد بنهمو بعد تألقه في التلحين اختار أن يكون سندا للعديد من المواهب الغنائية الشابة التي كانت تريد شق طريقها في هذا الميدان، إذ أعد 7 أغنيات لعبد اللطيف مينيا، إضافة إلى محمد شفيق وفاطمة الزهراء رؤوف وفاطمة الزهراء المرابط ويحيى صابر وفاطمة الزهراء عربو التي غنت له أغنية بعنوان “من أجل أولادي” وهي من كلمات الشاعر الغنائي الحسين أبوريكة. وبعد هذه المحطة المنتجة مع المطربين الشباب، اتجه الفنان بنهمو للتعامل مع الأصوات الغنائية المعروفة، إذ غنى له البشير عبدو 4 أغاني من بينها رائعة “الناس الطيبين” وهي من كلمات الحسين أبوريكة، ثم أمال عبد القادر بأغنيتين “كنترجاك” من كلمات أحمد وهبي و”على الرصيف” من كلمات محمد لوحيشي.
وجدير بالذكر أن الفنان الملحن محمد بنهمو يتوفر حاليا على 14 لحنان جاهزا ولم يخرج للعلن، باستثناء أغنية ظلت في الرفوف لمدة 24 سنة وخرجت إلى حيز الوجود سنة 2018، ويتعلق الأمر بمقطوعة “باش نجاوب” وهي من كلمات عبد اللطيف بوعياد وغناء ناهد ملين، وأغنيتين أخريين، الأولى “غربة الروح” من كلمات الفنان العراقي وليد آليودة والثانية للشاعر المصري محمد هناية وتحت عنوان “لنحيا جميعا”.
تبقى الإشارة إلى أن الفنان المبدع محمد بنهمو سبق له أن شارك في ملحمة وطنية بمناسبة الذكرى 57 لعيد الاستقلال، ونظمت تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وتحت عنوان “المغرب الأخضر” وهي من تأليف الشاعر الغنائي الحسين أبو ريكة وإخراج أحمد بورقاب، وكانت مساهمته في هذا العمل الفني الفريد من نوعه في شكل 4 محاورات عناوينها “طلبوالحي” و”أرضي الطيبة” و”موسم القمح” و”الله روات”.
من أجمل الأشياء لدى الفنان محمد بنهمو هو حماسه المنقطع النظير عند مشاركته بعمل غنائي بمناسبة الأعياء الوطنية كعيدي العرش والشباب، وفي هذا الصدد وجب التذكير بمساهمات عديدة له من خلال أغاني وطنية، إذ كان يطلب من المكلف بتعويضات الفنانين في الأعمال الفنية الوطنية الأستاذ إسماعيل أحمد عدم إدراج اسمه في لائحة المستفيدين من تلك التعويضات، وذلك إيمانا منه بأن حب الوطن لا يقاس بثمن. “نقطة حسنة”.
م. بنسعيد إخوتير