يحتفي بالحياة في أعماله الفنية،بالموروث الفطري الذي حفظته ذاكرة وانامل النساء الأمازيغيات في منطقة زمور تحديدا، كما يحتفي بتجارب ثقافات وحضارات الشعوب منذ العصور الأولى، الفنان التشكيلي عبد الحميد الهردوز يقرأ الجمال في التفاصيل البسيطة التي تكتنز بها الحياة.
منذ نعومة أظفاره تشرّب عبد الحميد جماليات الحياة ،وصهرها في مُتخيله الذاتي وحسّه الإبداعي المُبكّر، تعلم من والدته النسّاجة التي تتلمذت على يد جدّته الأمهر بين نساء جيلها،حتى أنها كانت تحظى بحفاوة وإحترام نساء القبائل وساكنتها. النسيج هذا العمل التشكيلي الفريد المُبهر للعين والمُدخل للسرور في القلوب والمُستعمل في أغراض عديدة فَرْشا و زينة ودفئا في أيام الشتاء البارد، توارثته النساء منذ قرون كوثيقة يدوية تحمل رموزا أمازيغية تعكس حياة الأسلاف والأحفاد على السواء ماداموا محافظين على الميراث الثقافي.
الهردوز تربّى في بيئة فنية عامرة بالفطرة والجمال ومحبة الحياة، ولطالما كان التفاؤل حاضرا في اعماله حتّى في أحلك الظروف، يُجيد إستخدام تقنيات الرسم المتنوعة سواء صباغة زيتية أو نقش بالنار على الخشب أو جداريات أو تشكيل منحوت أو توظيف مُتلاشيات وأغراض مُهملة، يمنحها شكلا جديدا بل وجوهرا دلاليا يُجلّي بُعدها الجمالي.في باريس تفتَّح وعي عبد الحميد على تيارات الفن التشكيلي في العالم فتأثَّر ببابلو بيكاسو والفنانين الروس، نال في كلية الفنون بجامعة السُّوربون التكوين اللازم حتّى يصير فنانا مثقفا عارف بتاريخ الفن وتقنيات الرسم، وتجارب المدارس العالمية التي أحدثت ثورة تشكيلية كبرى.
بعد العودة إلى أرض الوطن كان صبورا حتّى نال حق التشغيل، فإنضم إلى هيئة التدريس كأستاذ للفنون التشكيلية، تنقل بين الخميسات و وارزازات التي ألهمته إستثمار الضوء والبيئة شبه الصحراوية والواحات في أعماله، كما ألهمته الصويرة مدينة الرّياح وعاصمة الفن التشكيلي في إفريقيا آفاق الإبحار في الخيال الفني بلا حدود، مُحاطا بسِرب النوارس وقوارب الصيد التقليدي والأزقة مُنجذبا إلى الأبواب والنوافذ العتيقة، ليس في االصويرة فقط بل في كل المدن القديمة في المغرب تجدها مُجسّدة في لوحاته، كذلك تجد الناس بأزيائهم التقليدية كالنساء المُتلحفات بالبياض،وفي التجريد يسبح الهردوز بلا ضفاف في عوالم جديدة تؤكد فرادته وخصوصية تجربته الرائعة.
رشيد أزروال/ اصداء المغرب العربي