رجال الدولة و الآخرون في زمن هدر الزمن ما سر “الاملاءات الخارجية “

بقلم / ذ. ادريس الاندلسي
يشعر الكثير من مواطني هذا البلد
ذو التاريخ الممتد على آلاف السنين  و الذي أسست فيه دولة منذ أكثر من ألف سنة، أن عقارب الساعة فيه تتراجع إلى الوراء. دولة بنت مؤسسات  و تركت آثار  و واجهت موجات متتالية مصدرها امبراطوريات استعمارية. دولة سقى شهداء معارك تحريرها أرضها بالدماء  و كتب علماءها دواوين العلوم  و الآداب  و المنطق  و الرياضيات.  دولة نهضت منذ 1953 لتضرب في العمق خطط المستعمر و يجمع شعبها على سنة 1955 على رجوع الشرعية إلى أصلها التاريخي.  دولة عرفت صراعات بعد الاستقلال  و تم الحسم فيها بالعقل تارة  و بالعنف تارة أخرى.  دولة أنجبت قيادات سياسية  و نقابية  و تربوية  و اقتصادية تصادمت  و تلاحقت  و تصالحت و تصارعت و لكنها ظلت مغربية حتى النخاع.

هذا ليس وقوفا على الأطلال ” ببرقة تهمد” كما جاء في معلقة طرفة بن العبد.  إنه استذكار في زمن الإنكار لدور نبل السياسة في بناء الوطن. وقف وزير في الحكومة الحالية و هو الممسك بأمور المالية العمومية و أمور كرة القدم ليقول لممثلي الأمة أن من بينهم من ” يأمل ”  أن يكون  قد عبر عن قناعات شخصية  و ليس عن ” املاءات  خارجية”. و تدخل بعض النواب للتعبير عن استغرابهم لكلام الوزير  و نفي أي ارتباط خارجي لدورهم داخل قبة البرلمان. و وقف الأمر في هذا الحد رغم خطورته.

من تتبع المشهد الغريب الذي يحصل لأول مرة داخل مقر السلطة التشريعية لا يمكن أن لا يصيبه الذهول.  هل بيننا خونة يستغلون منصة البرلمان لخدمة مصالح خارجية يتم نسجها في الدهاليز. الواجب الأكبر هو فضح كل “خائن اندس بيننا  و الكشف عن علاقاته  المشبوهة  و محاكمته حسب مقتضيات القانون الجنائي.

مر الأمر أمام الناس جميعا  و اختلط هذا الأمر على العديد من المتتبعين للشأن العام.  كثير من الملاحظين أكدوا أنهم لم يسمعوا وزيرا وقف أمام النواب  و أشار إلى شيء من قبيل “خدمة أجندة خارجية” و مناورات في الدهاليز.  حتى في زمن وزير أم الوزارات لم يقل مثل هذا الكلام. انتقاد مضامين مشروع قانون المالية كان دائما محطة للنقاش  و التجاذبات و كانت النقاشات تنتهي بكثير من السلوكات الحضارية  و المسؤولة. لعل الكثير منا لا زال يتذكر تدخلات المعارضة  و رد وزراء  المالية كالرغاي  و الجواهري  برادة  و غيرهم ، و ما كان يطبعها من حدة  و مقارعة الحجة بالحجة.

” كان يا ما كان” في قبة البرلمان، كان الأستاذ الجامعي  و المؤرخ  و عالم الاجتماع  و المحامي  و رجل  الأعمال و المعلم و  الطبيب.  كان دخل البرلماني الشهري لا يتجاوز  ستة آلاف درهم، لكن فعله كان قويا  و حضوره مؤثرا.  و بعدها حلت النكسة  و دخل إلى البرلمان أصحاب الشكارة  و بعض تجار المخدرات الذين تمت متابعتهم و كثيرا من المنعشين العقاريين  و قليل من المسؤولين السياسيين فاختلط الأمر على المواطن إلى يومنا هذا. الجلسات يسيطر عليها أصحاب قوة الصوت  و غير الأبهيين بالتلفظ بالكلام غير المباح.  و نجح أعداء السياسة في خندقة العمل السياسي  و إتلاف أركان ثقافة سياسية حملها  رجال دولة رحمهم الله.  

اليوم زمن رجال من نوع آخر استباحوا السياسة انطلاقا من بعض الأسواق  و من ملاعب كرة القدم  و من مجال العقار  و من السيطرة على هوامش المدن و من استغلال أسواق الهشاشة الإجتماعية و من القدرة على تهميش الثقافة  و تسليع العمل الحزبي. اليوم ليس  زمن رجال الدولة.  و لكن هذا اليوم يحتاج إلى كل مضامين النموذج التنموي الجديد الذي وضع الاصبع على مكامن ضعفنا  و رصد أوجه ضعف مؤسساتنا و وضح أن المغرب سيتمكن من الإقلاع التنموي بالاعتماد على رأس مال بشري  في مناخ ديمقراطي و ممارسات شفافة في كافة المجالات.