سبب حقد الكابران الجزائري : معاداة الثقافة و التاريخ

بقلم / ذ. ادريس الاندلسي
في البدء كان
العلم  و العلماء  و المثقفين يحملون هم انعتاق المغرب الأوسط من طغيان استعمار فرنسي.  ما بين مصلى الحاج  و بن باديس تزاوج نضال المثقف الحقوقي برجل التنوير الديني و تنوعت حركات التعبير عن ضرورة بناء كيان جديد بعد قرون عثمانية  و ما يزيد عن قرن  و نيف من احتلال فرنسي. المسألة التاريخية ليست سهلة القراءة بشكل موضوعي.  و يبقى فتح الأرشيف الفرنسي الحقيقي هو المفتاح لإعادة كتابة تاريخ  شوهه بعض  صحافيي جمال عبد الناصر. الكثير من المغالطات تلف الكتابة الرسمية لتاريخ الجزائر من طرف من استفادوا من تواطئ فرنسا  من عسكريين  و مدنيين أصبحوا، بقدرة قادر، مناضلين  و زعماء  و من تحول من مقيم في الأزهر الشريف رافض للنضال من أجل أرضه  إلى منقلب عن أول رئيس مغربي للجزائر بعد ما سمي بالاستقلال.

الثقافة عدوة للتفاهة  و تعتبر من  طرف المنحطين تاريخيا بمثابة قنبلة سوف تنفجر لفضحهم  و لتعريتهم.  الثقافة تفضح كل حاكم لا يعترف بأن الفهم المرتبط بواقع  و محاولة فك ألغازه لتغييره يفتح هوة عميقة تؤدي إلى الانحطاط.  وهذا هو نهج من شوهوا صورة شعب الجزائر  و قوضوا آماله في غد أفضل.  ما أصعب أن يقود جاهل شعبا من بينه مثقفون و ذوي خبرات في كل المجالات.  مع  الأسف أن هذا المصاب الجلل هو ما حل بكثير من البلدان  و من ضمنها شعب الجزائر. حين يعادي نظام سياسي قوة الثقافة يقفد البوصلة  و يعادي التاريخ.

أبطال الاوراس  و شرق الجزائر قدموا التضحيات  و ووصلت جحافل الوصوليين لتستولي على التاريخ  و النضال  و الثروة  و المؤسسات  و لكي تزور تاريخ منطقة ولدت من  رحم الإستعمار.  و يظل السؤال ملحا  و كبيرا حول من استفاد حقيقة من انفصال فرنسا بطريقة ” ثعلب الصحراء ” عن أرض  استلمتها بعد تراجع العثمانيين  الذين تخلوا عن ” كراغلتهم” . الأرشيف المصري  و كبار الصحافيين المصريين تكفلوا بخلق شرعية ازلام فرنسا  و بعض دعاة القومية الناصرية لصنع أسطورة ” مليون  و نصف  مليون شهيد “. و هناك  من ركبوا صهوة الخيال لكي يرفع عدد ” الشهداء” إلى 4 أو  خمسة ملايين  و قد رفعها تبون إلى ما يفوق 10 مليون.  لا أحد أصبح قادرا على تحمل الضحك المفضي إلى اختناق من فرط إرتفاع الكذب الذي لا يصدقه إلى حزب مسيلمة  الكذاب  و حتى حزب سجاح التميمية.  و كلاهما ادعي النبوة.د و كلاهما لا يعرفهما الكذاب  الأكبر من فرط  الغياب المؤقت.

فلنفترض أن الشهداء كانوا ملايينا.  المطلوب وثائق تاريخية  و إحصاء دقيق  و خارطة لمواقع سقوط الشهداء.  الكراغلة يكرهون كتابة التاريخ بمنهج علمي.  مؤرخو فرنسا،  و قد نشك في ابحاثهم، قالوا أنه  و حسب وثائق المستعمر،  لم تتجاوز عتبة ضحايا الجيش الفرنسي  350 ألف  و وصل عدد القتلى الفرنسيين من جنود  و مواطنين فرنسيين  25 ألفا.

المهم هو أن الشعب الجزائري لم يتنفس الصعداء بعد كل هذه المدة التي تجاوزت عقودا من الزمن. تدهورت الأحوال في بلد مليون مليار دولار من عائدات النفط  و الغاز.  بحث بعض ازلام الإستعمار عن عز نضالي في ميدان عدم الانحياز  فانحازوا.  بحثوا عن حضور في أفريقيا عبر انفاق ملايير البترو دولار  كرشوة  فوجدوا أنفسهم في مستنقع  المرتشين  و خسروامثل خسارتهم أخيرا أمام حفيد مرتشى لنلسون مانديلا في افتتاح بطولة أفريقيا للاعبين المحليين.  بحثوا عن من يخطط لتطوير اقتصادهم فصدقوا بعض المتياسرين  الجدد فصدقوا أن الصناعات المصنعة ستجعلهم ابطالا لهزم أوروبا، ضاعت ملايير دولارات شعب الجزائر  و لم يعترف الكراغلة  الكابرانات بأخطائهم  و وصلوا إلى العشرية السوداء لتصفية المثقفين  و الصحافيين  و الأبرياء.  و الوثائق الفرنسية غنية بالمعلومات عن شنقريحة  و ” رب الدزاير توفيق ” و غيرهم  و كل الجرائم التي اقترفوها.  دخل الكابران الأكبر إلى قصر الاليزي و توقف التصوير الرسمي  لكي يستمر التصوير من أجل الضبط  و تسجيل الصوت  وحتى طلب إستعمال  المرحاض.  فرنسا تعرف أن الكابران هو الحاكم الفعلي لبلاد لا زالت لم تعرف تاريخها  و لا تعترف بهويتها الحقيقية.

من يتابع بلاد المغرب الأوسط التي يسيطر عليها ” حفاة عراة يعبدون المال” يتأكد أن الثقافة  و التكوين العالي و مستوى الكفاءات هي من أكبر التهم التي يمكن أن  يتم تلفيقها لمواطن شريف. كل شرفاء الجزائر يعترفون أن المثقفين أصبحوا عدوا مفترضا في نظر الكابرانات.  كل المتفوقين في البحث العلمي  و في صنوف الثقافة ابتعدوا عن تدبير السياسة  قهرا.  و النتيجة تدهور مستوى الوزراء  و تحول خرجاتهم الإعلامية المدروسة إلى لحظة استهزاء  و إشهار ضعف في التفكير  و في كل التعبير.  يجهلون كل معرفة بالعلم  و بالمعرفة  و حتى باللغات.  المواطنون المقهورون يبينون على قدرات تحليلية  و تعبيرية أرقى  و أغنى من الوزراء و حتى من كلفه الكابرانات  بالجلوس على كرسي بقصر المرادية. مثقفو الجزائر موجودون بكثرة في حقول الإبداع  و البحث العلمي عالميا و في مجال الإقتصاد، لكنهم منبوذون في  بلدهم.  هذا الوضع ذكرني بالكره الذي رافق بداية حكم البولتشيف  للاتحاد السوفياتي.  و بعد عقود إنتبه ” بريجنيف ” إلى أهمية ” الانتايجانسيا الشعبية ” في المسار الثوري. و قبله انتبه ” لينين ” إلى أهمية التقنيين الحمر.

المثقف  الذي اعتبره المفكر الإيطالي  غرامشي ” عضويا” حين يكتسب القدرة على الفعل في المجتمع  و الإسهام في تغييره،  يعتبر عدوا بالنسبة للطغمة الجاثية على قلوب المواطن الجزائري   و على مستقبله. و لمن يشك  في هذا،  الدعوة مفتوحة للولوج إلى اليوتوب و  للاستسلام  للضحك على نوعية خطاب النخبة المسيطرة من وزراء  و مسؤولين.  الثقافة تزعج و ستظل كذلك بالنسبة لكل من يحاول الاستهزاء بالحق في المواطنة حيثما وجد. و كم اثار انتباهي أن من انتفضوا ضد العسكر الجزائري هم مثقفون من قدماء الجيش الشعبي للجزائر.  كل من قرأ و تعلم  و كون قدرة على النقد الموضوعي يتبين له أن الحاكمين بأمر من الجهل جعلت أمامهم القدرة على الكذب وسيلة للحكم بالحيلة  و تطعيم اتباعهم بالحقد على النور  و النجاح  و الديمقراطية  و الحرية.  و لن ينتصروا