صيف 2022: حرائق وحقائق مريرة لم تُذكر

تميزت حرائق صيف 2022، بكونها لم تقتصر على منطقة الشمال وحده، إذ شبت في غابات وسط المغرب والتهبت في اتجاه الجنوب أيضاً. وهو ما جعل نيران هذه السنة مدعاة للقلق والاستغراب حول أسبابها ومسبباتها.

لقد تم استدعاء الجيش المغربي للمساهمة في الإطفاء إلى جانب رجال القوات المساعدة ورجال الإطفاء وغيرهم. مما يظهر حجم هذه الحرائق المهولة. التي لم تكد تستثني جهة بالمغرب، اشتعلت النيران بشمال المغرب في غابات العرائش وشفشاون وتطوان ووزان وتازة  وتاونات وفي وسط المغرب بكل من غابات إقليمي بني ملال وخنيفرة، ونقلت الأخبار اشتعال النار في واحات إقليم  كلميم باب الصحراء.

أوردت وكالة المغرب العربي للأنباء نقلا عن السلطات المحلية في مختلف مواقع النيران، أن أسباب هذه الحرائق بفعل الإنسان، وزادتها عوامل طبيعية مثل كثرة الأعشاب الجافة وقوة الريح في توسيع رقعة اللهيب هنا وهناك، وهذه أمور عادية بل سطحية، لا ينبغي التوقف عندها لتبرير حرائق ترقى بأسبابها الموضوعية والذاتية الى جرائم في حق البيئة ببلدنا، علما أن المغرب له التزامات دولية في هذا الباب.

ما يحز في نفوس المغاربة الذين شاهدوا على مدى أيام ألسنة اللهب تأتي دون رحمة، وأمام ضعف المواجهة على الآلاف الهكتارات، أن متحدثاً اسمه سعيد شاكري، قدم نفسه خبيرا في البيئة والتنمية المستدامة والتغير المناخي، ألقى باللائمة على المواطنين، ممن يرمون أعقاب السجائر في الغابات، أو حرق الغابة لاستغلال أرضها في الزراعة، أو من يتركون النار بعد طبخ طعامهم في المنتزهات الغابوية، وكأنها أول مرة يخرج المغاربة إلى الفضاءات الغابوية منذ عهد الديناصور، هذا الخبير حدد نسبة هذه الأخطاء البشرية، في 95%، مقابل أقل من 5% تمثلها الأسباب الطبيعية.

لنا في موقع”أصداء المغرب العربي” أسباب غير التي سيقت من قبل الخبير المذكور، ولا وكالة الأنباء الرسمية عن رجال السلطات، تكشف مصادرنا، أن أول محاولات إحراق الغابات بالمغرب، بدأت بمحاولة وزير الفلاحة السابق، الذي ليس سوى رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش عندما أراد حل المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر ليسهل عليه إلحاق هذه المؤسسة الحساسة بنفوذه المباشر. وقد أستصدر قرار إلحاق المندوبية بوزارة الفلاحة وتم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 7 أبريل 2017.

هذا الحدث نزل على آلاف الموظفين والأعوان والمتعاونين مع المندوبية في إطفاء الحرائق كالصاعقة، لأنهم لم يعرفوا مستقبلهم المهني من حاضرهم. وهنا وجب استحضار، الحالة النفسية لهؤلاء العاملين، وهي أسوأ وضعية يمكن أن تحصل للموارد البشرية في أي مؤسسة يروج فكها أو تصفيتها أو ضمها..

منذ 2017 كانت نيران هذا الصيف الحارق، تتهدد الغابات المغربية وما فيها من حيوانات وطيور وضواري ووحيش، وما عليها من غطاء نباتي وكلأ، قبل خمس سنوات، كانت المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، تتأرجح بين من يريد الحفاظ عليها من جهة، وبين من كان يرى في ضمها مصالح وأغراض ومآرب.

فعلاً استطاع المندوب السامي “عبد العظيم الحافي” بعد نشر قرار محو مندوبته أن يركب أعلى حصان له، ويسترجع المندوبية، وفاجأ الموظفين بحضوره لمكتبه وممارسة عمله كالمعتاد، وأخبر الأطر والمدراء وعموم العاملين أنه “بناء على تعليمات مولوية سامية تقرر العدول عن قرار إلحاق المندوبية السامية للمياه والغابات بكتابة الدولة المكلفة بالتنمية القروية والمياه والغابات”، انتصار الحافي في هذه الجولة، كان بمثابة شوكة ثبتها بقوة في أخْمُصِ وزير الفلاحة عزيز أخنوش، الذي كان يرى أن سياسة مخططه الأخضر، تتكسر أحياناً على صخور المياه والغابات في عدد من المناطق.

يذكر في هذا السياق، أن المندوب السامي عبد العظيم الحافي، قدم تقريرا أمام لجنة بمجلس النواب سنة 2020، وتضمن التقرير انتقادات صريحة لسياسة اخنوش بخصوص الإفراط في استغلال الماء سواء الذي يجري، أو استنزاف الفرشاة المائية من خلال سقي آلاف الهكتارات لمستثمرين اختاروا المغرب لغرس الأفوكادو، وحسب ذات التقرير، كان الحافي أورد أن نسبة المواطن المغربي من استهلاك الماء ستنخفض بنسبة 49%، وها نحن بالفعل على أبواب أزمة تتندر بها وسائل الإعلام وخطباء الجمعة في آلاف المساجد بالمغرب.

وتطورت الخلافات لتبلغ مداها بين الرجلين، عندما توقع مندوب المياه والغابات ومحاربة التصحر ندرة المياه، في 2020 و2021، وهو ما أجج غضب أخنوش، الذي أعطى تصريحات مخالفة يؤكد فيها أن المغرب تجاوز محنة شح الموارد المائية، لولا أن كلام أخنوش كذبه واقع العطش في المغرب هذا الصيف، وقد باتت وسائل الإعلام السمعية البصرية تدعو للتقليل من استعمال الماء، وتنذر بالأسوأ.

في هذا الصيف الحارق، تمكن أخنوش أخيراً، بنفوذه على رأس الحكومة، بعد أن استجمع قواه ليرد للحافي ما فعله به عام 2017، بضم المندوبية بل ومحا عنها صفة المندوبية، واكتفى بجعلها وكالة وطنية بمقتضى قانون رقم 52. 20، كما فعل بخصوص تأسيس الوكالة الوطنية للواحات التي جعل لها مقرا بالراشيدية، وهذا موضوع آخر.

لم يتأخر إذاً، رد أخنوش على الحافي، إذ بحلول يوم 14 يوليوز2022، كان اخنوش قد أنهى طبخته، وأعلن في ذلك اليوم عن تعيين الملك محمد السادس لواحد من رجال الحافي سابقاً، كاتبا عاما للوكالة الوطنية للمياه والغابات. إنه البركاني عبد الرحيم هومي، فما الذي جرى في هذا الجو المشحون والموبوء لهذه المؤسسة وللموظفين وعموم العاملين المنتشرين في كل ربوع المغرب حراسا ومهندسين ومراقبي الحرائق وعمال اللوجستيك وإصلاح المسالك في الغابات…الخ

عندما كان أخنوش يمعن في الإجهاز على المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، وهذا هو اسمها الكامل، ويخطط لإعلان مولوده الجديد، وفق ما هو معلن من الأهداف، وما هو مبطن من النوايا، كانت الموارد البشرية لهذه المؤسسة هي الضحية الأولى والأخيرة.

ظل كثير من العاملين والمتعاونين يترقبون ماذا سيكون عليه حالهم. ولما تبين أن الوكالة الجديدة استغنت عن عدد كبير من الرأسمال البشري لها، وتؤكد مصادر “أصداء المغرب العربي” أن ملف المستغنى عنهم سيخرج قريبا للعلن والاحتجاج والتظاهر، حينذاك سيعلم المغاربة من كان سببا في حرائق هذا الصيف الذي تميز بميلاد وكالة أخنوش. إذ لم يتم لحد الآن إدماجهم في عملهم رفضا من أخنوش حسب ذات المصادر.، هل تشفيا من رئيس الحكومة في بهدلة الموظفين السابقين لغريمه الحافي؟ أم بماذا يمكن تبرير هذا الاستغناء عن أصحاب السواعد التي تطفئ النيران هنا وهنالك. أليس هذا هو لعب الدراري كما يقول المغاربة عندما يزل أو ينزل مستوى المسؤول أي مسؤول، إلى هذا الحضيض دون اعتبار للمصالح الوطنية.

لم لا تتشكل لجنة خاصة لتقصي الحقائق حول أسباب ومسببات حل المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، وتعويضها بوكالة ملحقة. مع الوقوف على حجم الخسائر المترتبة عن هذا الوضع. لماذا لم يقصد أخنوش مندوبية المقاومة التي لم يعد لها مبرر في البقاء ووجب حلها وإلحاق بعض مهامها الشكلية بمصالح في وزارات ذات صلة، مادام إحصاء المقاومين انتهى منذ عقود.

ففيما كان عموم الأعوان ومختلف العاملين والمتعاقدين يفكرون في مصائرهم وهم يرددون “راسي يا راسي” خلال عدة شهور بل لأكثر من عام، في تلك الظروف، كانت الأعشاب تنمو في المسالك الغابوية، وبقيت مسالك أخرى من دون صيانة ومنها ما تآكل وانجرف، وهو ما عبر عنه سائقو عربات تحمل المياه والخراطيم قصد الإطفاء، ولا تجد ممرا سالكاً وموصلاً.

هذا فضلاً، عن عدم وجود ممرات ليس فقط لمرور الآلات أو العربات وإنما للأفراد أصلاً. فكيف لا تجد النيران ظروفا مناسبة ومواتية لتأتي على الأخضر واليابس، كما أن عدد مراقبي النيران، لم يكن كافيا، للأسباب التي سلف ذكرها. ونفس الأمر بالنسبة للمراقبين الموسميين، وتضيف مصادرنا المطلعة على هشاشة الوضع في المؤسسة الوليدة لأخنوش، أن من أكبر أسباب انتشار لهيب النيران في هشيم الغابات وإحراقها لمساحات شاسعة تتجاوز ما حددته المصادر الرسمية في 400 هكتار فقط، هو غياب فرق التدخل السريع. ثم أن سوء توزيع المكلفين بالإطفاء خلال الحرائق زاد الزيت على النار كما يقال.

تتحدث العائلات التي رزئت في أفراد لها بفعل احتراقهم، وسط النيران عن الآلاف الهكتارات، وليس 400 هكتار، بحكم أنهم أقرب للغابات وأنهم يعيشون في مجالها لا خارجه، يظهر جليا، إن الحرائق والإطفاء لم يُحسب لها في الوكالة الجديدة حساباً، ولم يتم توقعها واستشعار خطرها مقارنة مع الشغل الشاغل الذي كان هو تقدير صفقات وعدد الهكتارات الغابوية التي تسيل لعاب البعض […] بضواحي عدد من المدن، منها على سبيل المثال المجال المحيط من غابة المعمورة بالقنيطرة شرقا.

إذا استفحلت نيران هذا الصيف وعاثت فساداً، فلأن مهمة إطفاء الحرائق أمر جديد ومستجد على الكاتب العام البركاني عبد الرحيم هومي في الوكالة الجديدة، مقارنة بالتجربة التي راكمها الحافي بخصوص إعداد أرضية التدخل برا وجوا واستباق الحرائق وإخمادها في مهدها. بدليل أن أسوأ الحرائق التي نشبت في الغابات بالمغرب هي ما حصل في صيف 2022.