لا صِـراع بيــننا ولسْــــنا صُناعَــه , نداء لكل القضاة والمحامين

النقيب عبد الرحمان بنعمرو – النقيب عبد الرحيم الجامعي

إليكم يا حَمَلة الضمير،
لم تكن ولن تكون بين القضاة والمحامين حرب بالكلام ولا بالأقلام  مهما وصلت بينهم الحِدة  أو جرتهم إليه الغَــفلة، فلهم من الذكاء ما يجعلهم علامات مِهنية مُضيئة بشبابهم ونسائهم وشيوخهم، بأخلاقهم وتقاليدهم،  حتى يسيروا بالعدالة والقضاء نحو بَرِّ النجاة  وحتى ينتصروا على الفساد والمفسدين وعلى كل من يتربص بهم لينقض عليهم ويحتويهم.

ولما اهتزت تطوان وارتجت صفوف المحامين والقضاة بما جرى لما تم طرد محام من الجلسة قبل أيام، أصبحنا أمام أسئلة صعبة وملحة تُسائلنا ولا تسعفنا ومن المفروض علينا طرحها والبحث عن أجوبة حقيقية لها.

لابد لنا أن نتساءل إلى أين يسير القضاة  والمحامين بالصياح والكلمات يطارد البعض منهما البعض الآخر دون اتجاه إلا إذا كان الاتجاه هو  الوصول لعالم المجهول؟
ولابد ان نتساءل الى أين سيذهب بِنَا الفايسبوك الذي يجر القضاة والمحامون نحو الانهيار دون أن يشعروا أن سقوط طرف منهما سيجر الأخر لخندق الموت وسيجر الهزيمة على الجميع ، أو يفهموا أن في تشتــتهم رِبح لمن سَعى تاريخيا الى تفَرقِهم وأضعافهم ؟
ومن الرابح منهما  في ضرب الآخر تحت الحزام أو طعنه من الخلف ومن الامام سوى قِوى الضغط التي مَارست الرعب في وسط القضاة وزرعت التشكك في دور المحامين وفي مؤسساتهم ، وحاولت بكل ألوان النفوذ و الزندقة السياسوية والسلطوية  إشعال  الحرب بينهما ؟

أمس بتطوان، وقع ما لم  يسبق أن وقع من قَـبْـــل وحتى في أصعب المواقع والمواقف والظروف عبر التاريخ  بين بعض المحامين وبعض والقضاة بالمحكمة بعد ما تم طرد محامي من الجلسة من خلال سوء فهم لمقتضيات مسطرية وعدم انتباه للفرق بين دلالات ومعاني الوكيل والمحامي ، فغضب المحامون وغضب القضاة  وشن الطرفان معركة فايسبوكية واشتعلت نار الكترونية كَــــذِب من يَــظن انه سينتصر فيها على الآخر، فاستولت الطعــون بالالقاب وبالغمز واللمز بالكلمات و الكتابات والردود الحادة بلغت حَــد التهديد بل الوعد بالانتقام بلغة لا تليق بالقضاة وبالمحامين.

بتطوان، يوجد مسؤولون قضائيون ومسؤولون محامون بالهيئة وفي مقدمتهم النقيب، لهم الاختصاص والتجربة لتدبير الخِلاف و لامتصاص الغضب العابر منه أو العميق ، فهم ملزمون بالقيام بهذا الدور المؤسساتي والأخلاقي والمهني بدون مزايدات ولا مغالطات،  فليس لهم الحق في المراقبة وفي الصمت وفي الانهزام أمام المِحن أو الإمتحان.
وبتطوان سيتغلب المحامون والقضاة على الانانية والذاتية وسيقفون من جديد بإرادة قوية لبناء ما نحن بصدده وهو حصن الاستقلال الحقيقي للقضاء والحصانة الكاملة للمحاماة،  ولمحاربة الغش والفساد والاختلالات التي تعرفها العدالة بكل اطرافها وصانعيها والتي يكتوي منها المتقاضون والمواطنون.

وبتطوان سينتصر المحامون والقضاة ليتجاوزوا اللحظة الصعبة، بالرغم من أن بعض القضاة وبعض المحامين تدافعوا داخل الممر الضيق الذي مر منه حُـــكم الطرد كاللغم  بسرعة  والذي كاد يُسقط فوق الرؤوس  بنيان صناع العدالة، ليمنعوا مروره لأنه معدوم ولا قيمة قانونية له وما كان لهم أن يسمحوا بمكان للانفعال والإحتكاك، فما بين المحامين والقضاة هو التاريخ، التاريخ المليئ بحلقات التواصل والحوار في قضايا ذات الصِّلة  بالعدالة و قيمها السامية،  دون صراع ذاتي او مقارعة من اجل مصالح ضيقة، وهذا بالطبع ما كان يزعج من كان ولا زال من المناهضين لاستقلال القضاء.

وأما الخَــــنمُ  والدرس القانوني، فهو القرار الصادر يوم 15 مارس عن المحكمة الابتدائية وهي تنظر كمحكمة استيناف، والذي قررت فيه إلغاء حكم الطرد وقررت إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أي إرجاع الملف للمحكمة لمتابعة البث في القضية بحضور المحامي المعني،  وذلك بناء على استيناف نقيب الهيئة الذي يتعين الوقوف تحية له على مجهوده.
إن هذا القرار ليس فيه منتصر ولا منهزم، إنه قرار حسم في مسألة قانونية ونزاعية بكل شفافية، ومن أصدروه لا ينتظرون شكرا ولا إطنابا من أحد ، بل يفرضون علينا بعملهم تقدير جهد قانوني وفعالية قضائية مثالية جسدوها بتروي وبسلاسة.

وبالطبع لا يمكن الرجوع للخلف للحديث عن العاصفة ولا عن ما حملته معها من قذائف، فذلك لا ينفع في لحظة حساسة ينبغي فيها وضع حد لأثارها، والمهم هو أن نستخلص العبر من القرار الصادر بإلغاء حكم الطرد من القاعة ضد محام، وأهـــــم العِبر هو أن القضاة والقاضيات لا يغضبون لما يغضب الجميع ، وأنهم لا ينحنون لما  ينحني الآخرون، وهم أصلا من يبدع الحلول باستقلال وحياد لأنهم المآل والملاذ في الديمقراطيات بين المتقاضين، ومن كان يتحمل مثل هذه المسؤولية الجَمة والكبيرة يستحق كل التنويه والتقدير والاعتزاز.
 فيا حَمَـــلة الضمـــير، إن القضاء والمحاماة في نـــظرنا ، تجسيد لثقافة وسلوك وليس استعراض لسلطة  أو نزوة  أو قوة.

التوقــــــــــــــــيع:
 النقيب عبد الرحمان بنعمرو  –   النقيب عبد الرحيم الجامعي