لهيب الأسعار رماد الأجور “القادم أسوأ “

بقلم/ ذ. ادريس الاندلسي

لا يمكن لعاقل أن يتغافل عن طرح سؤال محوري في ظل أزمة القوة الشرائية لأغلبيةالمواطنين. من يستفيد من هذه الأزمة التي ضربت جيوب الطبقات الفقيرة  و المتوسطة. الكل يعرف  و البعض يتجاهل أن الشعب لا يعرف في اغلبيته معنى التضخم  و معدلاته  و طريقة حسابه.  هذا الشعب    الذي استثني منه اقلية تستفيد من كل شيء  و تعرف كل شيء  و لا تعيش الزمن الذين تعيشه طبقات اجتماعية ذات دخل محدود. الذي يعرف من أصبحت أجرته رمادا أمام لهيب الأسعار هي ما تحتويه القفة من مواد غذائية بالأساس.  هذه القفة تقل محتوياتها يوما بعد يوم.  و هذا هو المقياس الشعبي الحقيقي للتضخم. القفة الغذائية عرفت تضخما زاد في سوق الخضر و الفواكه  و اللحوم عن 100 %. لذلك فقياس التضخم حسب المناهج المعتمدة عالميا لا يعطي نظرة حقيقية عن تدهور القوة الشرائية.  يحاول بعض ” العارفين” مقارنة أسعار المغرب بأسعار مصر  و تونس  و الجزائر  و الحقيقية أنه لا قياس مع وجود الفارق.  و هذا الفارق هو سعر صرف العملة الوطنية في علاقته بمخزون البلاد من العملات الأجنبية.  الجنيه المصري  و الليرة اللبنانية  و الدينار الجزاءري و التونسي عرفوا تقلبات كبيرة كان لها أثر كبير على الأسعار  و بالتالي على الارتفاع الصاروخي لنسب التضخم. المغرب و سياسة مؤسساته المالية إختار منذ عقود استقرار سعر الصرف الذي يجد في حجم الموجودات بالعملات الأجنبية دعما   لمستواه و قد تجاوزت هذه الموجودات 320 مليار درهم تغطي أكثر حوالي  خمسة شهور من الاستيراد.

حين تدخل السوق في رمضان لا تسمع الا أحاديث عن الغلاء  و الدعاء برفع هذا البلاء عن من اكتووا بنار الأسعار.  ذوي الدخل المحدود أصبحوا لا يعرفون شكل  و سعر الكماليات. و المستفيدين من الأزمة  و من كافة المشاريع الكبرى  و السياسات القطاعية يصمون اذانهم عن الآلام التي تتسبب فيها المضاربات  و السمسرات و اتساع مساحات الريع. و يستمر التغني الحكومي بالمغرب الأخضر الذي صرفت عليه عشرات الملايير من الدراهم الآتية من المال العام. قيل الكثير عن الأحلام التي قيل أنها ستتحقق في مجال الاكتفاء الذاتي الغذائي  فسجل رقم استيراد الغذاء  أكثر من مبالغ تصديره. وظلت الاقلية المستفيدة تطلب المزيد من نظام ضريبي لا يذر إلا القليل جدا من العائدات المحصلة من الاستغلاليات الفلاحية الكبرى.  و أستمر كرم المال العام مدرارا على الأغنياء من خلال منح التنمية الفلاحية  و استغلال دعم الغاز منالميزانية المخصصة لصندوق المقاصة و غيرها من  أشكال  الدعم  التي لا يستفيد منها الفلاح الصغير. لذلك لم تعرف التنمية القروية تلك القفزة النوعية التي خصصت لها مبالغ بلغت  50 مليار درهم كان الامر بصرفها  وزير الفلاحة السابق  و رئيس الحكومة الحالي السيد عزيز اخنوش.

و في ظل هذا الوضع يغيب الوضوح عن الخطاب الحكومي.  الناطق الرسمي يخرج بعد إجتماع مجلس الحكومة ليخطب في الرأي العام بلغة ” تضامنية و متفهمة” أمام جشع المضاربين الذين  أصبحوا ،بقدرة قادر ،لا عنوان لهم  و لا قدرة للإدارات المختصة لحصارهم  و إنفاذ القانون في حقهم . أللهم أرحم ضعف حكومتنا. أين هي تلك الصرامة التي ميزت فترة مراقبة الكمامات خلال الشهور الأولى لأزمة الكوفيد. لقي اؤلئك الذين حاولوا استغلال الأزمة جزاءهم بسرعة  و في إطار القانون. المضاربون الذين يشعلون لهيب الأسعار لا يهمهم السلم الإجتماعي  و لا الإستقرار.  لذلك تجب مواجهتهم بالحزم اللازم تفاديا للحركات الإجتماعية التي قد تشكل خطرا على صلابة جبهتنا الداخلية.

هناك صنف من المغاربة يشكلون اقلية لا يعيرون أي إهتمام للعيش المشترك الذي أولاه الدستور الأهمية القصوى من خلال تأكيده تحمل تكاليف المجهود الوطني كل حسب قدراته. السلم الإجتماعي لا يجب أن يخضع لقانون العرض و الطلب و لهمجية الليبرالية المتوحشة المختلطة لدينا بالريع  و التهرب الضريبي  و الرشوة . إننا نعيش في سفينة واحدة تحتم علينا الحرص على المصلحة العامة بوعي وطني فاعل. أتمنى أن تعمل الحكومة على تغيير الواقع المعيشي للمواطنين حتى لا يتحقق ما تنبأ به المندوب السامي للتخطيط السيد الحليمي حول ” القادم الأسوأ ” بالنسبة لحالة الأسعار في الأسواق.