مغرب أخضر و فقر أحمر … سياسات فشلت.

دخلت سوق الخضر  و الفواكه الشعبي الذي كان دائما رحيما بجيوب محدودي الدخل فسمعت كلاما مصدره لون أحمر ينادي : ” أنا هنا مزهوة برؤيتكم يا أبناء بلادي “. دب الشك في قدراتي السمعية، لكن اللون الأحمر جذبني  و كان لقاءا من تلك اللقاءات التي افتقدتها منذ سنين.  رأيتها في أبهى حلة تريد أن تدخل كل بيت  و تسعد ربات البيوت.  باستغراب سألتها: ” كيف حالك أيتها المهاجرة كلما انتزعتك الأيادي من أرضنا الطيبة” .زاد احمرارها خجلا من أبناء أرضها  و ألقت باللوم على كبار فرضوا عليها الاغتراب عبر شاحنات  و بواخر و باعوها للأجانب.  اعترفت لي أنها كانت مجبرة لا مخيرة و أنها لم ترد أبدا مغادرة تربة تربت عليها  و عيون سقتها  و عرق سال من جبين إنسان أعطاها الجهد الجهيد.

كلما رأيتها احييها بكل تقدير  و زادت قوة تحياتي لها حين رأيتها ترتاح و هي تعانق أهل الدار و تزين الموائد.  إنها المعشوقة السيدة ” مطيشة” . وصلت هذه الأيام في أبهى حللها إلى أسواقنا بسعر رخيص مؤقتا.  سألت أهل السوق من الشرفاء العاملين عن سبب هذا التواجد الجميل لمطيشة  فأجابوا أن السوق أسواق  و السياسة تصل إلى حد رفض التأشيرات على صادرات الخضر و  الفواكه.  تمنيت من الأعماق أن تقطع الطريق نهائيا على صادراتنا مما تجود به أرضنا الطيبة  و فلاحونا الطيبون و أن يتم منع دخول أية باخرة صيد أجنبية إلى بحار بلادي. دعوني استسلم للحلم الوطني…

المناسبة يا أبناء هذه الأرض المعطاء هو أننا نعيش في ظلم كبير.  مياه سدود المغرب  و كرم تربة المغرب  و العمل الشاق لفلاح المغرب لا يستفيد منه المغاربة ذوى الدخل المحدود إلا في الحدود الدنيا. عندما يسافر مواطن مغربي إلى الخارج يتفاجىء بجودة منتوجات بلاده و يقارن هذه الجودة  و حتى الأسعار بما يلاقيه في أسواقنا الداخلية  و خصوصا في الأسواق الكبرى التي تخدم مصالح كبرى  و تستجيب لقوة شرائية كبرى.

و السؤال الأكبر  و الذي زادت قوته مع تدهور القوة الشرائية ٤

لأغلب المغاربة يمكن تلخيصه في : ” من  يستفيد من خيرات  و أموال  و أراضي  و مقدرات الوطن؟” . و الجواب يتطلب طرح الكثير من الأسئلة المحرجة عن نتائج سياسات عمومية كلفت الملايير من  الدراهم  و استنفذت الكثير من الموارد الطبيعية و الجهود  و الموارد البشرية. و لمحبي الأرقام  صرفنا  عشرات  الملايير من الدراهم  على المغرب الأخضر  و إبنه المفاجئالجيل الأخضر الذي  فتح أبواب الأمل للكثيرين من  الفلاحين  البسطاء لتغيير جذري للقطاع الإقتصادي الأول في بلادنا و لكن الانتظارات لا زالت كبيرة جدا. كانت الأهداف الكبرى تمنينا برفع الإنتاج الفلاحي ليصل إلىأكثر  من 20 % من الناتج الداخلي الإجمالي و خلق  مليون  و نصف  منصب  شغل و تغيير وضعية الفلاح الصغير ليستفيد من بنيات  و تمويلات  و مساندة ما كان يسمى بالدعامة الثانية للمغرب الأخضر  و هي الركيزة التضامنية.  قيل أن كل الجهود ستنصب على ربط الاستهلاكيات الفلاحية الكبرى بالضيعات الصغيرة لكي تقودها إلى التكنولوجيا الجديدة  و ووسائل الإنتاج  و تقوية المردودية.  و ظل هذا الهدف سرابا. و استفاد الكبير و اكتفى بالدعاء للصغير خلال موسم فلاحي يغطي حاجياته الأولية  و كفى.

المشكل هو أنه أصبح من غير المحبذ الكلام عن الفشل الظاهر في غياب دراسات لتقييم سياسة فلاحية كلفت وقتا سياسيا و مجتمعيا  و أموال عامة  و تسهيلات ضريبية بالملايير من الأموال العامة.  و في الأول  و الأخير يقال أن منتوج أرضنا مطلوب في الأسواق الخارجية مطلوب و أن أرقام الصادرات مهم.  و الأمر غريب  و غير مقبول.  نعم نصدر الغذاء و لكننا نستورد الكثير من المواد الغذائية  و بأسعار أغلى.  نصدر مياهنا الجوفية  و جودة تربتنا  و جهد مزارعينا  و تكلفة البذور  و السقي  فوائد القروض  و استهلاك التجهيزات المستوردة و نجد أنفسنا غير قادرين على إنتاج قمحنا رغم سعة أراضيها الصالحة للزراعة.  كل هذا في الوقت الذي نقتل فيه خصوبة أراضيها  و نضعف فيه فرشتنا المائية من أجل تصدير الأفوكادو  و البطيخ الأحمر  و التوت الأحمر و غيرها من الزراعات ذات الخطورة العالية على التنمية المستدامة. هذا  ما اغرى  بعض الصهاينة من  الاقتراب  من أراضيها لتكثيف  استنزاف خصوبتها. أعترف بكل وعي أنني صدقت كل النوايا  و حاولت أن اتخلص من كل نواقض الإيمان  بالسياسات العمومية القطاعية التي قاربت العشرين سياسة غير متساكنه عبر ما يسمى بالالتقاءية .  كتبت مقالات بلغة موليير عن المغرب الأخضر و فتنت في البداية بتنظيم المعرض الدولي الفلاحي بمكناس  و حضرت ندوات “علمية” كانت جميلة التنظيم  و التحليل.  و أدرك شهرزاد الصباح  فسكتت عن الكلام المباح.  و توقف الإحتفال باللاشيء و التحق مهندس المغرب الأخضر  و الجيل الأخضر برئاسة الحكومة و غاب الكلام عن تقييم تحقيق الأهدافالفلاحية.  انتشر البطيخ الأحمر  و غيره من الفواكه  و الخضر الموجهة للمستهلك الخارجي  و نضبت عيون  و تناقصت فرشات مائية  و زادت حدة الجفاف  و أصبح استيراد القمح هدفا استراتيجيا بامتياز. اسمحوا لنا يا معشر الخبراء الذين لا علاقة لهم بالأرض  و بعمل المزارعين أن نقول لكم أن الأرض لا تخلص للأغبياء  و لكنها تغني الأوفياء. فارحموا أهل الأرض  و ارحلوا بجهلكم لأنكم لا تمتلكون العلم و لكنكم تجسدون فقر تكوينكم عبر عروض مصورة فيها أرقام  و بيانات كاذبة  و سريعة الانتشار.  المغاربة يحبون اللون الأحمر الذي يجسد لهيب الأسعار  و الظلم  و الفوارق الإجتماعية و المجالية  و لكنهم يقدسون تلك النجمة التي تتوسط لهيب لوعتهم.  ارحلوا يا أصحاب الحلول السهلة  و المذرة للدخل الكبير على كبريات مكاتب الاستشارات  و المنفتحة جدا على كبريات الشركات الرابحة في كل المجالات في الحياة  و بعد الممات.  و الصالح من العمل أبقى  و أكثر تحصينا للوطن الواحد الموحد في ظل سلطة ارتضاها المغاربة منذ قرون لتنصفهم من غدر الحاقدين  و المستبدين  و المنتفعين و ناقضي العهود  و أصحاب المصالح الآنية في كل ما يزيد الثروات  و يقوي النعرات  و لا يهتم بالغد في زمن الأزمات. و لهؤلاء نقول ان دراساتكم ” الخاوية” لم تتوقع بعد سنين من تحصيلكم لأرباح كثيرة أن المغرب استورد حوالي  60 مليار درهم كمواد غذائية في 2021 حسب مكتب الصرف. أما الصادرات من الغذاء  و المشروبات  و التبغ ( و الأمر  هنا لا يتيح المقارنة العلمية) فقد قاربت 63 مليار درهم  في نفس السنة. هل وضعنا سياسة  و تمويلات  و جندنا مؤسسات  و تحفيزات من أجل مجرد تغطية صورية للميزان التجاري الغذائي  و فرطنا في ما هو أهم و المتمثل في  الاكتفاء الذاتي  الغذائيوستزيد التمويلات للكبار من الفلاحين على أكثر من 30 مليار درهم خلا سنة 2023 . صناديق  تغطيها  حسابات خصوصية و تحفيزات ضريبية  بالإضافة  إلى مخصصات  الميزانية  العامة دون نسيان دعم صندوق المقاصة للغاز ” الفلاحي” بالملايير.  و لا حياة لمن تنادى لمن سخروا التقنوقراط الجدد لخدمة مصالحهم بوعي أو بدون وعي.  المشكل كبير يا  ” مطيشة ” بلادي التي تهاجر الجميلات من بينها  بسعر رخيص  و ترافقنا الأقل منهن جودة في رحلتنا اليومية أو الأسبوعية  لملء قفة أصبحت شاهدة على كل الفوارق الإجتماعية. و كخاتمة أكد لي كثير من الأصدقاء أنهم فرحوا مرحبا لتواجد مؤقت للا مطيشة بيننا بنكهتها  و جمالها  و عبيرها  و بسعرها الأكثر رفقا بالجيوب المهلهلة أصلا.