بقلم / د.ادريس الاندلسي
عنوان هذا المقال مستوحى من سنوات الدراسة بالثانوية و بعدها بالجامعة خلال السنوات التي سميت ب” سنوات الرصاص ” . و الحقيقية أنها كانت أيضا سنوات إقبال التلاميذ و الطلبة على العمل الثقافي و الفني وصولا إلى مرحلة وعي سياسي مع إبداع أشكال نضالية تدخل فيها التعبير الفني بشكل جميل و ملتزم بقضايا الوطن.
خلال هذه الفترة أهتم التلاميذ و الطلبة بالكتابة المسرحية و سايروا بشكل مكثف الموجة الغيوانية و مسرح الهواة و إنتاج الشعر. ” ما هموني غير الرجال إلى ضاعوا… الحيوط إلى رابو كلها يبني دار”. هكذا تغني ناس الغيوان في الوقت الذي تغنت فرقة جيل جيلالة لفضح هشاشة ” الكلام المرصع ” الذي ” فقد المذاق” و في الوقت الذي وصل صوت سعيد المغربي إلى كل الجامعات عبر أشعار محمود درويش و محمد علي كنار و المبدع الراحل “الودان ” و الشاعر زريقة. دخل الكثير من الطلبة إلى السجون،في إطار حملات القمع، والتي تحولت إلى منبع للتكوين و النجاح الجامعي. كانت المعدلات التي يحصل عليها الطلبة المعتقلون من أعلى المعدلات في العديد من الكليات.
سجون المغرب تشهد هذه الأيام دخول عدد من الموسيقيين إليها و أذكر من بينهم الفنان نعمان لحلو. لم توجه لهم تهمة تخص تردي مستوى الأغنية المغربية، ولكن وجهت لهم دعوة للقاء السجناء بالكثير من الاصلاحيات لمشاركة المعتقلين لحظات فرح بالموسيقى المغربية. سألت الفنان نعمان لحلو عن ظروف تنظيم هذه الحفلات داخل السجون و تفاعل المعتقلين مع البرنامج الفني، فكان جوابه أن التفاعل كان أكبر من ذلك الذي يحصل في بعض المسارح التي توجد خارج أسوار السجن. ليس كل من دخل السجن فاقدا للإحساس بجمال الموسيقى. و الكثير من السجناء يجدون في الأغنية نوعا من الأمل في غد أفضل.
نعم سجوننا تعرف الاكتظاظ بسبب سياسة جنائية يجب أن يعاد النظر فيها عبر انتهاج أساليب العقوبات البديلة. و لكنها تحتاج إلى إهتمام رسمي و مدني لكي تلعب دورها كإصلاحيات تحمي حقوق الإنسان و تحمي المجتمع ممن اقترفوا جرائم في حق مواطنين و في حق المجتمع. و لكل هذا لا يمكن أن نجعل من السجون جزرا معزولة بل مؤسسات للإدماج بعد قضاء العقوبة السجنية. المعتقلون يحتاجون إلى الدعم الحقوقي و هذا ما يقوم به المرصد المغربي للسجون. و هذا ما يقوم به العديد من نجوم الرياضة و المسرح و الموسيقى. و في هذا الإطار لا يمكن إلا تثمين مبادرة نعمان لحلو الذي فضل الدخول إلى السجون عبر إبداعه الفني و ليس عبر أساليب تنزل بالفن إلى أسفل سافلين و تؤثر سلبا على الشباب. هذه الأساليب المشبوهة فنيا و الفقيرة علميا و المنحطة أخلاقيا قد تؤدي ببعض المغرر بهم إلى السجون. الفن وسيلة للسمو الثقافي و لذلك يجب أن يساهم في ادماج المعتقلين لإعادة تأهيلهم اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا.