د. ادريس الاندلسي
منذ أسابيع انطلقت القناة الثانية في بث ما يسمى بكابسولات ( أي فيديوهات أو تسجيلات قصيرة جدا) حول الموسيقى المغربية. صاحب هذا المشروع المحتضن من طرف هذه القناة ليس سوى الموسيقار و الباحث نعمان لحلو. هذا المهووس بالقراءة و البحث و العنيد في تعامله مع الجملة الموسيقية و الشعر المغربي الغنائي، لا زال مصرا على سبر أعماق ثقافة ولدت في كنفها أساليب مغربية للتعامل مع الحروف الموسيقية.
نعمان لحلو له علاقة خاصة مع الموسيقى و مع تاريخها ومحيطها . هذا الأخير ليس مجرد مكونات لأغنية من لحن و شعر و توزيع و أداء نابع من حبال صوتية متمرنة على المقامات و على القرار و الجواب. نعمان لحلو يبحث كذلك عن صناع الآلات و أشكالها و يقرأ معهم مسافات الأوتار و عمق تعبيرها سريع الوصول إلى الأذن الموسيقية.
كل لقاء مع نعمان لحلو هو سفر حول تاريخ وتر و إيقاع و نغم و فنان. نغمات أمير الآلات أي ذلك المدلل و المحبوب الذي نسميه العود أصبح بالإمكان صناعته بأشكال مبتكرة تنبعث منها كل مكونات ” ربع تون” بدقة و صفاء و وضوح.
أشكال العود الذي تصنع منذ سنين في سوريا و مصر و العراق و المغرب لا زالت صناعة يحافظ عليها حس بالجمال و رغبة في الإبداع. العود الجميل هو الذي كلما خف وزنه زادت قوة تعبير اوتاره. في دمشق رافقت زميلا من تونس و زوجته لاقتناء عود لا يزيد وزنه عن 350 غرام. و أتذكر ذلك المساء الذي قادتني خطواتي إلى شارع محمد علي في القاهرة. هاتفت الفنان نعمان لحلو من أجل نصيحة لاقتناء عود. و ما هي إلى بضعة دقائق حتى وصل صديق لنعمان ليرافقني فنيا و أصل إلى المبتغى.
برنامج ” بيانيسمو ” دخل إلى عالم و مكونات نغم كناوة و ايقاعاته و الى الطرب الحساني و أشكاله التعبيرية المتنوعة و إلى إبداعات عبد الصادق شقاره و مساحات صوته و ألحانه الاستثنائية. دقائق قليلة كانت كافية للتعريف بالطبوع و بحور الشعر و القدرات الصوتية و جمالية التعبيرات. الحلقات الأولى من هذا المنتوج الإعلامي عميق المرامي تفتح شهية المستمع المشاهد و المحب للموسيقى و الباحث عن المزيد. الأكيد أن الحاجة كبيرة إلى الإستمرار في هذا النهج الجميل. لا يمكن إلا أن نتمنى أن يستمر هذا الفعل الثقافي الجميل الذي يتكلم بكثير من الإحترام المهني عن الثقافة الموسيقية المغربية