بقلم/ د. إدريس الأندلسي
شهد المغرب ككثير من بلاد العالم كوارث طبيعية كالزلازل و الفيضانات و الحروب و الجائحات الصحية و المجاعات. و رغم هول و آثار هذه الكوارث استمرت الحياه على الأرض. تعاملت الشعوب و نخبها بخطابات متعددة و مختلفة و متقاطعة مع الكوارث و كانت جل هذه الخطابات محكومة صياغتها بالأديان و الايديولوجيات و قليلا من العلوم العقلية. و أستمر الحال على ما هو عليه خلال مراحل تاريخ البشرية الراهن. كثيرة هي الصور التي غصت بها شبكات التواصل التي رددت خطابات غيبية رددت قبل قرون. مفاد هذه الأخيرة أن الزلزال و الفيضان و الجفاف و كافة الكوارث هي عقاب إلهي لمن زاغ عن توجيه ديني و لو كان غير متفق عليه. الأمر لا يتعلق بدين دون آخر. استمر الكذب و الهراء على الشبكات للمقارنة بين هروب فرقة موسيقية بعد شعور اعضاءها بالزلزال و صمود خطيب في جمع في مسجد بعد الساعة الحادية عشر ليلا. التركيب مضبوط و الكلام مسترسل و لو كان كذبا و الأهم الآني هو تسجيل نقطة على الثقافة الموسيقية و لو في لحظة حدث جلل و ذو آثار اجتماعية و إنسانية رهيبة. لا أظن أن إماما جليلا كان يؤم الصلاة كان سيأمر الناس بالبقاء في مسجد وقت زلزال مدمر.
قال خالقنا عز و جل، و هو من وهبنا الحياة و النعم و الهواء و ما تنبث الأرض ما مضمونه أن لا يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة. فبذل أن يأمر ذلك الخطيب بالمسجد في تلك الساعة، و لا نعرف إن كان حقا في مسجد، الناس بالخروج و الاحتماء من الأذى، قال متعنتا، اجلسوا و انطقوا بالشهادة. هل هذا منطق يمكن أن ننسبه لدين يقدس حماية الأنفس و الحياة. الزلزال ليس له ارتباط بالعقاب الإلهي. و ماذا يقول هؤلاء عن الضحايا من الأطفال و الرضع و القانتات الساجدات و المؤمنين الصابرين عن الظلم الاجتماعي و الذاكرين ألله و الذاكرات، هل العقاب يشملهم و يشملهن. الزلزال له علماؤه و لكنهم لا يعلمون متى سيقع . له آثاره و هذه يتم التعامل معها بكثير من التدابير في مجالات الإنقاذ و إعادة البناء و اتباع مناهج البرمجة العلمية لتدبير الكوارث. الزلزال ليس عقابا و إلا لكان الفقير و ساكن القرى الجبلية و سكان الدور الآيلة للسقوط و القاطنين قرب الوديان و البحار و من يعيش في المناطق البركانية و من يركبون البحر طلبا للرزق، لكان كل هؤلاء مذنبون عاثوا في الأرض فسادا فتم عقابهم. و ماذا عمن يسكنون في البنايات الكبيرة و الفخمة و في القصور و الفيلات التي تم بناؤها بتقنيات مضادة للزلازل و يخوتهم البحرية تواجه الإعصار و الأمواج العاتية. هل العقاب الإلهي يقتصر على الفقراء. حاشا أن يكون ألله العادل معاقبا للفقراء دون الأغنياء. و لنقرا جيدا ما قاله الله تعالى عن الزلازل. تكلم عن الإنسان في كليته و ربط الزلزال بنهاية العالم و الحساب ” فمن يعمل مثقال ذرة… إلى آخر الآية “.
و يظل السؤال المتعلق بفعل الزلزال في تغيير طبائع البشر مطروحا. سجل العالم لمواطني المغرب و لأصدقائهم تعلقهم بثقافة التضامن. و هذا يمكن اعتباره، بكثير من التواضع، تحصيل حاصل. تقاسم الأكل و ثقافة المواساة و التعبير عن العواطف النبيلة و غيرها من السلوكيات الإنسانية الجميلة ليست غريبة علينا. صحيح أننا تغيرنا ،جزئيا، كمغاربة و تنكرنا لبعض العادات كتلك التي كانت تعتبر تشغيل مطبخ بيت يعيش حالة عزاء غير لائق. كانت الصحون الممتلئة بما تيسر من أكل تتقاطر على منزل الأسرة التي فقدت أحد اعضاءها و تعبر بالفعل عن المواساة. يومنا غير هذه العادة و حولها، في كثير من الأحيان، إلى ما يشبه مناسبة يتكلف بها أصحاب مهنة تنظيم الحفلات. و تصبح مناسبة حزينة محط تقييم مجتمعي بئيس عن نوعية الأكل الذي تم تقديمه و من احيى الحفل من مشاهير قراءة القرآن و ممتهني الانشاد الديني.
يجب أن يغير فينا الزلزال كثيرا من الأشياء و على رأسها ترسيخ و مأسسة أساليب التضامن ببلادنا. اكتشفنا أن لدينا الآلاف من المتطوعين و الجمعيات التي فجرت طاقاتها لكي تقوم بدور وطني و إنساني. اذهلني، كما اذهل العالم أجمع، الإقبال على العطاء من طرف الفقير و الغني. و اذهلني جيش بلادي وقوات الوقاية المدنية و الدرك و الأمن على علو كعبهم المهني و الوطني ليرد على كل مشكك في قدرات أبناء و مؤسسات الوطن على مواجهة الأزمات. افرحني كثيرا كيف واجه القضاء و الأمن من حاولوا أن يتاجروا بالزلزال و من يمتهنون التسول و الجريمة في خضم مواجهة مأساة إنسانية. تجار الأزمات يجب أن ينالوا الجزاء. و لنا في تدبير جائحة كورونا خير مثال.
غدا تبدأ مرحلة إعادة البناء و التأهيل و هنا يجب أن لا نتعامل مع هذا الورش الاستثنائي بالوسائل و السلوكات القديمة. نعرف ما يشوب نظام تدبير الصفقات العمومية ببلادنا و ما هي نتائجه على جودة الإنجاز. مثال الغش الذي شاب إصلاح مدخل مقبرة الملوك السعديين بمراكش يجب أن يتم التعامل معه بكثير من الجدية في المحاسبة و قمع الغش بشدة. وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالعمل بجد في إعادة البناء و إحترام كل ما يتعلق بتاريخ المنطقة المنكوبة و معمارها و تقاليدها، و لذلك وجب على الإدارات ذات الاختصاص أن تعلم أن المواطنين و ملكهم يعطون للمحاسبة أهمية مركزية.
نعم يجب أن يغير الزلزال مؤسساتنا الترابية و أن يكون مناسبة لكي يبتعد الكثير من المنتخبين، الممتهنين للسياسة التجارية ذات الأرباح الكبيرة ، عن التدبير الترابي و كذلك رجال السلطة المتهاونين في تدبير ملف التعمير. ارتدادات الزلزال يجب أن يشعر بها كل مسؤول حكومي أو قضائي أو أمني أو منتخب كيفما كانت درجته. الارتدادات يجب أن تطيح برؤوس الفساد و ليس بحائط ينهى حياة أسرة في جبل لم تصله طريق و لا ماء و لا كهرباء و لا مستشفى رغم ما تم تخصيصه من ميزانيات ضخمة منذ سنوات طويلة. إن لم يغيرنا الزلزال فلن نتغير أبدأ.