صادقــت الجمعيــة العامــة للمجلــس الاقتصــادي والاجتماعــي والبيئــي، بالإجماع، فــي 26 نونبر 2020، على الرأي الذي أعده بشأن “مشروع قانون رقم 45.18 يتعلق بتنظيم مهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين”.
ويهدف مشروع القانون موضوع هذا الرأي، الذي تم إعداده إثر توصل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بإحالة من مجلس المستشارين بتاريخ 18 شتنبر 2020، إلى تنظيم مهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين في القطاع الخاص (الأجراء والمستقلون).
وقد وقف المجلس على صعوبة تحديد وتأطير مفهوم “العمل الاجتماعي”، إذ لا تحيل هذه الخدمة إلى مجالِ مهني موحد ومحدد بشكل واضح. وترتبط أنشطة “العمل الاجتماعي” بالمغرب، على نطاق واسع، بالنسيج الجمعوي الذي يقدم خدمات في مجالات العمل الإحساني والخيري والتطوعي، والتضامن مع الفئات المعوزة أو الهشة في المجتمع.
وقد سجل المجلس عدد من النقاط الإيجابية حيث أنه، بالإضافة إلى تنصيصه على مجموعة من المبادئ المعيارية للعمل الاجتماعي وقيمه في بعدها الحقوقي (المصلحة الفضلى للمستفيدين، وعدم التمييز، واحترام كرامة الأشخاص، وحماية حقوق المستفيدين، واحترام السرية، واحترام الأخلاقيات، والنزاهة)، فإن مشروع القانون، باشتراطه منح صفة العامل (ة) الاجتماعي (ة) باكتساب المعارف والمهارات العلمية اللازمة ارتكازاً على تكوين أكاديمي وعملي، يطلق دينامية مَهْنَنَة العمل الاجتماعي مع ترك إمكانية تطوير مهارات الأشخاص العاملين في هذا المجال بدون تكوين أكاديمي، والارتقاء بمساراتهم المهنية والاعتراف بمعارفهم من خلال منحهم دبلومات أو تكوينات إشهادية تثبت ذلك.
وبناء على قراءة تحليلية لمشروع القانون، وفي إطار منهجية تشاركية موسعة مبنية على الإنصات، والتشاور، والنقاش مع مختلف الفاعلين والأطراف المعنية، أبدى المجلس عددا من الملاحظات التي يدعو سواء إلى تداركها أو تدقيقها أو تجويدها، لا سيما فيما يتعلق بالمفاهيم الأساسية للعمل الاجتماعي، و المغزى من عدم إدراج العاملات والعاملين الاجتماعيين التابعين لإدارات ومؤسسات الدولة، وكذا العاملين المتطوعين، ضمن مقتضيات مشروع هذا القانون، بالإضافة إلى طبيعة النظام التمثيلي للمهنيين المقترح وما يطرحه من إشكالات دستورية وقانونية، وإغفال مبدأ الاستقلالية المهنية، وتأمين الحماية الكافية للمهنيين بموجب عقد الشغل، مع مراعاة الوضعية المالية الهشة للنسيج الجمعوي الذي ينشط في هذا المجال عند دخول هذا التشريع الجديد حيز التنفيذ.
وعليه، يعتبر المجلس أن تنظيم وتقنين مهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين ببلادنا يقتضي أخذ في الاعتبار المقومات التالية:
تحديد نطاق تدخل العمل الاجتماعي؛
تعريف المهنة؛
تحديد مختلف الأنشطة المهنية التي يضمها العمل الاجتماعي؛
التمييز بين ما يندرج ضمن مسؤولية الدولة وما يعود للمهنيين المنضوين في إطار هيئة تمثلهم؛
مراعاة جميع الأشخاص الذين يزاولون المهنة؛
تحقيق انخراطٍ ومشاركةٍ قويَّيْن من قبل المهنيين؛
وضع مدونة لأخلاقيات مهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين تكون مُلزِمة في احترام مبادئ المهنة وقيمها؛
تضمين الإطار القانوني الرامي إلى تنظيم مهنة العامل (ة) الاجتماعي (ة) ديباجة لبيان دواعيه وأهدافه، مع إرفاقه بدراسة الأثر تشتمل بالأساس على تقييم للانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية والإدارية والمالية المتوقعة للأحكام التشريعية المقترحة، ومضامين الآراء والتوصيات المستخلصة من الاستشارات التي تم القيام بها في إطار مسلسل إعداد المشروع، لا سيما وأن الأمر يتعلق بسن تشريع جديد غير مسبوق في هذا المجال.
سن إجراءات خاصة تتعلق بمهن العمل الاجتماعي التي تستدعي تقديم الرعاية والمواكبة المتين من شأنهما ينطويان على مخاطر بالنسبة للأشخاص الذين تشملهم هذه الخدمة.
ومن هذا المنطلق، وعلاوة على الملاحظات المثارة، والتي يمكن استثمارها في إغناء وتجويد مضامين ومقتضيات مشروع القانون موضوع الرأي، يوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في الأفق المنظور، بإعداد قانون أكثر طموحا يولي اعتبارا للعمل الاجتماعي ويعمل على تشجيعه، في إطار مقاربة متَّسقة وعملية تروم وضع إطار معياري للعمل الاجتماعي وتوجيه مسار النهوض به.
وفي هذا الصدد، يقترح المجلس تنظيم الخدمة الاجتماعية والعاملات والعاملين فيها بموجب قانون – إطار يشمل تعريفا مغربيا للعمل الاجتماعي (يستند إلى التعريف الدولي للعمل الاجتماعي) ويضع المبادئ الكبرى للعمل الاجتماعي وقائمة للمهن والمرجعيات المهنية ذات الصلة بالعمل الاجتماعي.
ويرى المجلس أنه من الضروري التنصيص، في إطار قانون-الإطار المقترح، على تدابير خاصة بحماية العاملين الاجتماعيين في مدونة الشغل والقانون الجنائي والنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية فيما يخص الاستقلالية المهنية والسر المهني والحماية من مجموعة من المخاطر المرتبطة بمزاولة مهامهم كالاعتداء والتشهير والإصابة بالأمراض المعدية. كما ينبغي إعداد نظام أساسي خاص بالعاملات والعاملين الاجتماعيين في إطار الوظيفة العمومية والجماعات المحلية وباقي المؤسسات التابعة للدولة.
ولهذا الغرض، يوصي المجلس بإحداث هيئة استشارية خاصة متعددة الأطراف للعمل الاجتماعي لمواكبة إعداد القانون الإطار بمبادرة من القطاع الحكومي المكلف بالتضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، تتولى مهمة الإعداد لهذا المشروع في اطار جماعي.