بالحكم على مالك مجموعة “النهار” الإعلامية الجزائرية بالسجن النافذ وأداء غرامة ثقيلة، يتأكد التضييق المُمَنْهَجُ من قبل السلطات الحاكمة ضد كل الصحافيين ممن يكشفون عيوب الحكام في الجزائر.
ففي هذا السياق، أيّدت محكمة الإستينئاف الجزائرية الحكم الابتدائي في حق مالك مجموعة “النهار” أنيس رحماني واسمه الحقيقي محمد مقدم، بتهمة الفساد التي عللتها المحكمة بـ”سوء استعمال عن سوء نية لأموال شركة الأثير للصحافة” التابعة لمجموعة النهار، ووكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.
وحكمت المحكمة على الصحافي أنيس بعشر سنوات سجنا نافذا، وزادت في إطار تكييف التهم، “مخالفة التشريع المنظم للنقد والصرف”، و”استغلال النفوذ وأعوان الدولة للحصول على مزايا غير مستحقة”، و”التصريح الكاذب”، حسب مصادر جزائرية.
وشمل الحكم القضائي تغريم شركة “الأثير للصحافة” بـ12 مليون دينار (88 ألف يورو)، مع دفع تعويض قدره 10 ملايين دينار (أزيد من 73 ألف يورو) لصالح الخزينة العامة. أي ما مجموعه 22 مليون دينار جزائري، وهو تغريم يفهم منه الحكم بإفلاس المجموعة الإعلامية إلى الأبد، في انتظار قضاء صاحبها عقدا من الزمن خلف القضبان.
وكان رحماني قد أدين في مارس 2021 استئنافيا في قضية أخرى، بالسجن ثلاث سنوات بتهمة التسجيل، والبّث بشكل غير قانوني لاتصال هاتفي أجراه مع ضابط في جهاز الاستخبارات في أكتوبر 2018.
كما تم كذلك، الحكم عليه في 15 أكتوبر 2020 بالحبس ستة أشهر، بتهمة القذف في قضية أخرى.
وكانت أطلقت قناة النهار “تي في” العام 2012، لكنها تعرضت لاتهامات بكونها تستهدف معارضة “نظام” الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي أجبر على الاستقالة عام 2019 بضغط من الجيش والحراك الشعبي، وتوفي في سبتمبر 2021.
وخلال حملة الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2019، هاجمت القناة المرشح عبد المجيد تبون الذي أصبح رئيسا.وهكذا يكون السبب الحقيقي في هذه المتاعب هو الاقتراب من دوائر الحكام سواء المنتخبين الظاهرين أو الفعليين في هياكل العسكر.
وتعطي الانتهاكات الخطيرة لحرمة الصحافة والصحافيين في هذا البلد، الإشارة الواضحة بأن محيط الحكام خط أحمر لا يجب الاقتراب منه من قبل الصحافيين، أو كما لو أن الحاكم الفعلي محصن ضد النقد بفصول الدستور، وبالتالي لا ينبغي تغطية الاحتجاجات التي تعكر صفو مزاجه، ولا دعم الحراك الشعبي الذي يحلم بدولة مدنية ديمقراطية تحكمها مؤسسات منتخبة وتُحاسب على ثروة الشعب الجزائري أين تذهب وأين وكيف ولماذا تُصرف ملايير في قضايا خاسرة، يعتبر الجزائريون أنفسهم أولى بها من البوليساريو.
كل من يخوض من الزملاء في هذه المواضيع وما شابهها، يتم جره الى السجن.
قبل أيام قليلة، جرى في إطار مسلسل تكميم الصحافة في الجزائر، وسجن الصحافيين، حبس صحافي ومنع جريدته من الصدور بسبب مقال عن وقف تصدير التمور الجزائرية، ويتعلق الأمر بالصحافي في جريدة الشروق بلقاسم حوام.
وكان مقاله الصادر في النسخة الورقية للجريدة يوم 7 شتنبر، أثار غضب وزارة التجارة وترقية الصادرات، التي أصدرت بيانا يفند المعلومات الواردة فيه. ويحمل الصحافي مسؤولية الـ”مساس بالاقتصاد الوطني والثروة التي تزخر بها بلادنا”، كما لو أن النخيل هو عماد الاقتصاد ومصدر الرزق الوحيد لدى الجيران. ففي الدول التى تحترم حرية التعبير وتؤمن بدور الإعلام، تكتفي الوزارة في مثل هذه الحالة، بنشر بيان حقيقة. لكن التضييق الممنهج على الصحافة هو الأصل، لهذا، تقرر حبس الصحافي حوام، مما أثار ردود فعل كثيرة لدى الصحافيين الذين تضامنوا مع زميلهم، واعتبروا سجنه متعارضا مع الدستور الذي ينص على حماية الصحافي من العقوبة السالبة للحرية فيما يتصل بعمله الصحفي.
وكشف الصحافي رشيد ولد بوسيافة، أن زميله “بلقاسم حوام قيمة مهنية وأخلاقية استثنائية، ومثال صادق عن الصّحافي الملتزم بقضايا أمّته ووطنه”، معتبرا “وجوده في السّجن خطيئة، لأن مساره نظيف وثري بالتجارب، فقد دافع عن المحرومين والمظلومين والفقراء وكان صوتا صادقا”. ولعل مشكلته هي الدفاع عن المظلومين الشيء الذي لا يرى فيه الحكام إلا إثارة للفتنة والقلاقل.
وتكررت في الفترة الماضية، أخبار ملاحقة الصحافيين بسبب كتاباتهم. ومن أشهر من سُجنوا رابح كارش صحافي جريدة “ليبرتي” بعد تغطيته لاحتجاج في ولاية تمنراست جنوب البلاد، كما تعرض آخرون للمتابعة بتهم المساس بالوحدة الوطنية والإضرار بالمصلحة الوطنية بسبب مقالات تم تكييفها قضائيا على هذا الأساس.
وتزامنت هذه الحملة الشرسة القمعية ضد الصحافة، مع الحراك الاحتجاجي الشعبي ضد تدهور الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الجزائر.
وسجلت منظمة العفو الدولية ما يحصل للصحافيين في الجزائر من “أحكام سجن قاسية في خضم حملة قمع متصاعدة”.
وكانت منظمة العفو الدولية طالبت السلطات الجزائرية بأن تضع حداً فوراً لحملة المضايقات المتصاعدة ضد الإعلام التي شهدت مؤخراً إصدار أحكام قاسية بالسجن بحق صحافييْن بارزين لمجرد تعبيرهما عن آرائهما أو لتغطية الاحتجاجات.
فمنذ انطلاق حركة الحراك الاحتجاجية، التي تدعو إلى تغيير سياسي جذري في الجزائر، في فبراير 2019، تعرض للسجن ما لا يقل عن ثمانية صحافيين بسبب تقاريرهم أو تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، غالباً بعد إدانتهم بتهم مزيفة مثل “المساس بسلامة وحدة الوطن”، أو”إهانة رئيس الجمهورية، أو “التحريض على التجمهر غير المسلح”. ويواجه العديد من المواقع الإخبارية على الإنترنت المعروفة بموقفها الانتقادي تجاه الحكومة عرقلة في وصول الأشخاص إلى مواقعها عبر الشبكات الجزائرية.
وقالت آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من جهتها حينذاك، “إن السلطات الجزائرية مستعدة لفعل أي شيء لإسكات الأصوات المنتقدة. فقد سُجن مؤخراً صحافيون لتبادلهم مقاطع فيديو، وانتقاد الرئيس، والتعبير عن دعمهم لحركات الاحتجاج”.
وتدعو منظمة العفو الدولية السلطات لوضع حد للمضايقات القضائية الممنهجة ضد الصحافيين، وإلى احترام الحق في الحصول على المعلومات من خلال رفع حجب المواقع الإخبارية على الإنترنت.”
يذكر أن من بين ابرز الصحافيين الذين صدرت في حقهم أحكام بالسجن من المحاكم الجزائرية
الصحفي والناشط عبد الكريم زغيليش بالسجن لمدة عامين بسبب تعليقين له على فيسبوك. ووفقاً لأحد محاميه، فإن التعليق الذي جر زغليش الى السجن وصف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأنه “مزور جابوه العسكر”، وأدى ذلك إلى اتهام زغيليش بـ “إهانة رئيس الجمهورية”.
وفي قضية أخرى، تم الحكم على الصحافي البارز خالد درارني بالسجن ثلاث سنوات بسبب تغطيته لنشاط حركة الحراك الاحتجاجية، وكذلك لظهوره في وسائل الإعلام الأجنبية. ووجهت إلى درارني تهمة “المساس بسلامة وحدة الوطن”، و”التحريض على التجمهر غير المسلح”.
ووفقًا للجنة الوطنية لتحرير المعتقلين، التي تراقب محاكمات نشطاء الحراك، ففي 17 جوان، تم حكم بالسجن لمدة عامين على عليّ جمال طوبال، مراسل صحيفة النهار.
وبين 12 يونيه و8 يوليوز، تم اعتقال مرزوق تواتي، الصحفي بموقع إخباري لافان غارد ألجيري L’Avant- Garde Algérie الجزائري، في مدينة بجاية الشرقية أثناء توجهه لتغطية احتجاج لدعم نشطاء الحراك المحتجزين. وقد حكمت المحكمة الابتدائية في بجاية على تواتي بدفع غرامة قدرها 100 ألف دينار جزائري (حوالي 776 دولاراً أمريكياً) بتهمة “إهانة موظفين عموميين”. الزميل خرج في مهمة تغطية حدث تظاهرة، فتم تلفيق تهمة على غير المقاس له.
بالإضافة إلى مضايقة الصحافيين، تم منع الوصول إلى العديد من المواقع الإخبارية على الإنترنت في الجزائر. وهذا كله ليس غريبا أن يصدر من عقليات لا ترى في عمل الصحافيين ما ينسجم مع تدبيرها وسياستها وقراراتها حتى ولو لم تكن عادلة ولا شعبية ولا وطنية.