وقف عمر المختار مخاطبا أكبر جنرالات الطاليان وهو مكبل اليدين مخاطبا إياه ” إياك أن تدعي في خلوتنا هاته أنني ساومتك ببلدي من أجل حريتي ” وكان واقفا وقفة أسد الجبال كما ينعته المستعمرون الايطاليون حينها, ظل ثابتا على العهد حتى في أشد أيام اعتقاله وقد أدمت القيود معصميه وهو الذي حارب وقاوم أعتى قوة استعمارية في زمانه مدة عشرين سنة بكل صمود وعزم وثبات, فكان قدوة لكل الحركات التحررية في كل البلدان المستضعفة .
وكان عمر المختار قائد الثورة الليبية يعلم المنطلق والهدف, وكان الشعب الليبي قاطبة ملتف حوله ومؤمنا بنبل الرسالة وطهارة الهدف المتمثل في طرد المستعمر الايطالي المستحوذ على مقدرات البلاد والعباد, وكان الليبيون موحدون في مقاومتهم لا تعبث بهم نزوعات قبلية ولا ميولات و لا أطماع بل حتى القوى الخارجية الداعمة للغطرسة الايطالية لم تفلح في شق صفوف الليبيين الذين ظلوا على الموقف إلى أن حصلوا على الاستقلال بكل عزة وشرف.
لكن ما الذي وقع الآن حتى يصاب الشعب الليبي بما أصيب به من تشرذم وتفرقة وسقوط في براثين الحروب الطائفية التي تذكي نارها قوى حاقدة تسعى جاهدة إلى التمكن من مقدرات البلاد والعمل على تفتيتها ؟
ليبيا الان بقدرة قادر وصانع محتال أصبحت مرتعا للتطرف وللجماعات الجهادية القادمة من كل حدب وصوب, جماعات مقاتلة ذات نزعات قبلية تتمترس في كل حي وكل زقاق, الأمن والاستقرار استهدفا بكل ذقة وتخطيط, البنى التحتية تداعت والمفسدين يسيطرون على مقدرات البلاد بدعم من قوى عالمية ترى في استمرار الفوضى مكسبا لشركات بيع السلاح وشركات قرصنة النفط. والعالم يتفرج, والمنظمات الدولية على ذات الحال, لقاءات هنا واجتماعات هناك, مفاوضات سياسية لا تعرف نهاية ولا من يؤيدها من حملة الكلاشنيكوف في شوارع بنغازي وطرابلس وسواها.
الامم المتحدة تدعي أنها تدعم مبادرة لتعارضها مبادرات أخرى, يجتمع الفرقاء في مكاتبها لتنفجر اشتباكات مسلحة تجهز على ما يبدو حلولا في الأفق.
هو واقع حال معاصر تعرفه ليبيا مناقض كليا لماضيها المشرق, أبناء البلد اليوم يتقاتلون في ذات البين بعد أن كانوا بالأمس متعاضدين متكاثفين في محاربة غول استعماري كان اسمه موسوليني , فيا ليت يعود الليبيون لقراءة فصول ذلك التاريخ علهم يستنبطون منه ما يمكنهم من تجاوز عوائق الحاضر الكئيب…