في كل محطة انتخابية جماعية كانت أو برلمانية تطفو إلى السطح مفارقة غريبة عندما يلاحظ كل متتبع أن المواطن الذي سيدلي بصوته غير مهتم على الإطلاق بأي حزب ولا أي برنامج يتقدم به هذا الحزب أو ذاك سواء كان من اليمين أو من اليسار أو من هنا أو من هناك, كل همه هو التركيز على الشخص على طبيعة وماهية المرشح, من تراه يكون؟ وربما هذا ما يفسر طبيعة ركون كل الأحزاب إلى الشخير في كل المراحل الزمنية الفاصلة بين الانتخابات, فهي لا تستيقظ إلا في الحملات وتكتري محلات في الدربات والازقة وتحشد الشباب لتوزيع المنشورات و ترديد الشعارات وبعد التصويت وعلان النتائج توزع المقاعد الجماعية والجهوية لتعود من جديد إلى الشخير وهكذا دواليك.
أما المواطن الذي صوت على فلان وفلانة, فهو يوثق علاقته مع مرشحه الفائز من اجل تحقيق متطلباته دون الاهتمام بالحزب الذي يمثله مرشحه ذاك فضلا عن كون المرشح ذاته لا يعكف على تنظيم لقاءات في الأحزاب التي منحته التزكية, فهو غير مهتم بذلك فلربما في الانتخابات المقبلة سيحمل لونا اخر وشعارا اخرا وتزكية حزب اخر.
وضع كهذا يفرض طرح ألف سؤال وسؤال حول دور الأحزاب السياسية باعتبارها مؤسسة وجدت أصلا لتأطير المواطن وتنظيمه والدفاع عن مصالحه, لكن بدل ذلك عجزت عن استقطاب الجماهير وركنت بدورها إلى الظل والاعتماد على البحث عن المرشحين الأكثر شعبية في أخر لحظة لتحشد عبرهم اكثر المقاعد الممكنة دون أن يكون ذلك ترجمة حقيقية لقوتها وتواجدها في الساحة.
إنه وضع شاذ يجب الوقوف مليا عند مسبباته و على الكثير من الأحزاب أن تنفض الغبار عن منهجيتها وعملها و أن تعلم أن دور المؤسسة الحزبية من الأهمية بمكان في تأطير المواطن والتواجد بقربه في كل صغيرة وكبيرة…