حلقة (1):صلاة الجمعة في باكو بطقوس غريبة وركعات غير معدودة

من فوائد السفر, أنه مثل قراءة كتاب حول تاريخ قوم من الأقوام, ثمة فرق ما بين ما يمكن أن تعاينه ميدانيا وتعيشه وانت شاهد عليه, وبين ما يمكن لأن تقرأه في كراسة أو بين دفتي كتاب.
ما سأحكيه هنا، لا يتعلق بأكل القنافيد، ولا بزواج المرأة بأكثر من رجل سأختصر الطريق، وأدخل في الموضوع رأساً, سأحكي عن أداء الصلاة من يوم الجمعة، في بلد اسمه اذربيجان العاصمة باكو هي واحدة من ست دول تركية مستقلة في منطقة القوقاز تقع في مفترق الطرق بين أوروبا الشرقية و أسيا الغربيةو يحدها بحر القزوين إلى شرق روسيا من الشمال غالبية سكان البلد مسلمون من الشيعة..

لكن ما رأيت جعلني أفقد الخيط الرابط او الفاصل بين هؤلاء وهؤلاء,لا يفترض في السنة ولا في الشيعة ولا عند غيرهم ممن يشهدون أن لا إله الّا الله وأن محمدا رسول الله، ان يزيدوا في الصلاة ولا النقص منها.

حيث كنت في مهمة تغطية الانتخابات الرئاسية الأخيرة في اذربيجان، والتي جرت يوم الأربعاء الماضي 11 أبريل الجاري,كان متوقعا ان يعود الرئيس إلهام علييف.إلهام اسم يطلقونه على الرجال. عندنا يقتصر على النساء فقط.
ليس هذا هو الفرق الوحيد…صلاة الجمعة عندهم، أمر مختلف تماما..بعد رفع الآذان، ليشرع الخطيب في إلقاء خطبة الجمعة والتي نحرص في الانصات لها، عندنا في المغرب، وإن كان كثير من المصلين لا يفقهون ما يقوله عندنا الخطباء في بعض المناطق، لا أحد ينطق بكلمة حين يخطب الإمام.
عند الأذريين أو الأذربيجانيين أمر آخر,كنت في رحاب مسجد جميل بالعاصمة باكو,كان اليوم ُعيد جمعة. والصلاة من يوم الجمعة موضوع سورة كاملة في القرآن اسمها سورة الجمعة. لا خلاف في التسمية,الخلاف في الأداء، واضح ولافت ورهيب في أذربيجان,لم أتذكر كم مرة رفع الآذان.
عندنا في المغرب، يسبق رفع الآذان ثلاث مرات، تهليل وتكبير ينتهي بتنبيه المصلين إلى التزام الصمت التام,يزم الناس أفواههم. وتكاد الشفاه تبقى مطبقة، ولا يُسمع للمصلين صوت إلا في حال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كلما ذكره الخطيب,ماعدا هذه الحالة، يعتبر أي صوت لغوا. و”من لغى فلا جمعة له”.
المصلون في أذربيجان، وحتى أكون شاهدا بحق، لن أعمم وسأنقل ما عشته الجمعة الماضية في مسجد الامام علي بالعاصمة باكو. كان معي صحافي مغربي من جريدة يومية ناطقة بالفرنسية ضمن لجنة الاعلام التي تدخل في إطار المراقبين الدوليين نمثل المغرب في هذا الصدد . ذهبنا معا إلى صلاة الجمعة وكانت دهشته هو الآخر أكبر, الناس لا يسمعون عبارات من قبيل، كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ولا تسمع آذانهم لا بالعربية ولا من خلال الترجمة أو بلغة البلد، ما معنى “ومن لغا فلا جمعة له”.
صلاة الجمعة عندهم أشبه بالجلوس في منتزه. حتى وهم في بيت الله يوم الجمعة يردون على هواتفهم. يتناقشون بينهم، يستعير هذا من هذا أشياء يقرأ رسالة نصية على هاتفه والإمام يخطب. لا ضير.. الامر عادي جدا, لا شيء يدعو لتوقير المكان ولا الزمان. الكل يلغو و لا إشارة للخطيب ليس هذا هو ما يثير الانتباه فحسب.
عندما قام الناس للصلاة. هنا يبدأ مشهد آخر لا يقل غرابة.. تكبيرة الاحرام قراءة سورة الفاتحة وسورة ثانية قصيرة كنت أحسب  اننا سنركع كما جرت العادة لكن الإمام أصدر تكبيرة وكأننا في صلاة جنازة. لم ناتي بالركوع. بقيت فقط اتابع بأطراف عيني ما يجري حتى لا يكتشفون غريبا وسطهم. وانتظرنا لبعض الوقت وكانهم يرددون أدعية في انفسهم، لم اعرف طبيعتها هل هو دعاء قنوت ام ماذا . بعد هذه الوقفة التي دامت لحوالي دقيقة ونصف، ركعنا وسجدنا   وقمنا للركعة الثانية بشكل عادي هذه المرة . وكنت احسبها نهاية الصلاة، وان الناس سينتشرون في الأرض، كما في سورة الجمعة (وإذا قضيت الصلاة فانتشروا). لكن حصل ما لم أفهمه لحد الساعة, بمجرد الرفع من السجود في الركعة الثانية،لم يختموا الصلاة بالتشهد والتحية كما علمنا ولكن دخلوا في صلوات أشبه بالنوافل، فرادى وليس جماعة, كل يصلي لحسابه عددا غير محدود من الركعات قبل التحية والسلام. حسبت الأمر نوافل ما!! هل هذا يتربط بطقوس الشيعة ام بطائفة منهم فقط, وقعت في حيرة من أمري. وجدت نفسي مضطرا لأفعل ما يفعله جيراني في الصف.

صليت ونويت الركعات نوافل وسألت الله أن يتقبل. واستغربت لعودة الناس لإتمام الركعة الثانية والإتيان بالسجود. لتنتهي صلاة الجمعة، دون ان ينتهي معها ذهولي لما رأيت من أمر.