مبدأ التعايش السلمي بين الأديان المختلفة في ألمانيا يكفله الدستور الألماني الذي ينص: ” لكل إنسان حرية اختيار المعتقد الديني وممارسته “. فالدولة تنظر إلى كافة الأديان بحيادية وتتعامل معها بتسامح. وهكذا، فان اختيار أي مواطن اعتناق اي من الأديان، هوأمر شخصي ويدخل في نطاق حريته الفردية. إلا أن الدين والدولة في ألمانيا مترابطان بشكل كامل، حيث تتعاون الدولة مع الجماعات والمؤسسات الدينية من خلال الحوار وتدريس الديانة في المدارس مع مراعاة خصوصية كل فئة على حدة. ومنذ بضع سنوات خلت، انفتحت السياسة الخارجية الألمانية على مختلف الأفكار وإشراك المجتمع المدني في المجال من أجل تعزيز الوسائل البناءة الداعية إلى السلام لدى مختلف الاتجاهات والجماعات الدينية. وتقوم وزارة الخارجية في ذات السياق، ببناء شبكة علاقات دولية متعددة للأديان من خلال ممثلين وممثلات عن مختلف المعتقدات الدينية.
وفي هذا الإطار، قام وفد يتكون من وزير سابق في الاندماج والأسرة الدكتور “كلاوس ابياه” والسيد ميشائيل باخهاوس، رئيس المؤسسة المسيحية للمسنين بمدينة “دوسلدورف” و”اوفا” رئيس نقابة التعليم بمنطقة رينانيا الشمالية وعدد من الأساتذة في تدريس الديانات السماوية وبعض رؤساء مصالح الاندماج ورئيس مكتب الأجانب بالمدينة رفقة ثلة من فعاليات المجتمع المدني المغربي الفاعلين في الحياة الاجتماعية بألمانيا، وعلى رأسهم الأستاذ الباحث علي السعماري، بزيارة مسجد ” الرحمان بدوسلدورف” للاطلاع على الجانب الروحي الذي يلعب دورا مهما في التربية على احترام الأديان والثقافات الأخرى التي تعتبر آية من آيات الله في خلقه.
وتميزت الزيارة بإلقاء مداخلة قيمة باللغة الألمانية من طرف احد شباب إدارة مسجد الرحمان. المداخلة فتحت شهية العديد من الحضور لمناقشة بعض الأفكار التي وردت في العرض خاصة فيما يتعلق بمعاني وبعض المصطلحات والمفاهيم الدينية الإسلامية التي بينت بوضوح ان الدين الإسلامي، مؤسس في جوهره على الاعتراف بجميع الديانات السماوية، داعيا إلى احترام وتقدير معتنقيها إعمالا لمبدأ ” لا إكراه في الدين”.
وفي سياق متصل، قال الأستاذ علي السعماري في مداخلته: لقد اختار المغاربة منذ أربعة عشر قرنا المذهب المالكي مذهبا رسميا للدولة المغربية، اعتبارا لما يمتاز به هذا المذهب من اعتدال، هذا إضافة إلى اختيارات اخرى المتمثلة في العقيدة الأشعرية والتصوف. واسترسل قائلا: ظل المذهب المالكي، إلى يومنا هذا، شعارا من شعارات الدولة المغربية، التي تعبر عن وحدة المذهب الديني والأصالة الحضارية للمملكة الشريفة، موضحا ان هذا المذهب تحول إلى مدرسة تربوية إصلاحية ساهمت في بناء الشخصية المغربية بكل مميزاتها وخصائصها.
وأضاف، ان مختلف هذه الإعتبارات التي أدت إلى إقرار المذهب المالكي والتمسك به تقدم دليلا واضحا على أن اختيار المغاربة للمذهب المالكي هوعبارة عن قرار تاريخي حاسم، اتخذه أجدادنا اقتناعا منهم بأن أصلح المذاهب الفقهية لإقامة نظام قانوني وقضائي شامل، هومن يلاءم العقلية المغربية الواقعية، والمزاج المغربي المتزن.
وفي معرض حديثه، كشف علي السعماري، أن أكثر من 1،5مليون مسلم دخلوا ألمانيا منذ 2011 بحثا عن وطن جديد. وهذا ما أدى إلى تزايد عدد المسلمين في ألمانيا حاليا وأصبح يتراوح ما بين 4,4 إلى 4,7 مليون، أي بنسبة 5,4 إلى 5,7 في المائة من إجمالي سكان ألمانيا البالغ 83 مليون نسمة.
وأشار إلى أن المساجد في ألمانيا بصفة عامة ومسجد الرحمان بصفة خاصة، تلعب دورا مهما، على غرار باقي الفعاليات الاجتماعية، في توعية الجالية المغربية ب “دوسلدورف” على جميع الأصعدة، كفاعل رئيسي في المقاربة التشاركية للتأطير الديني والروحي. وقد أشاد بالمناسبة، بما قدمه مسجد الرحمان المعلمة الدينية من خدمات جليلة باعتباره جسرا من جسور التوحيد والتبادل الثقافي منوها على الخصوص بالمجهود الذي تقوم بها إدارة المسجد في سبيل الرفع من مستوى القيم الدينية والحفاظ على سمعة المغرب، هذا دون إغفال ما أسداه الأئمة الفضلاء من خدمات عظيمة للجالية المغربية بصفة خاصة والجاليات الإسلامية بصفة عامة. وقد توجه علي السعماري في ختام مداخلته، بالشكر الجزيل لمؤسسة الحسن الثاني ومجلس الجالية على إرسالها المرشدين الدينيين وعلى ما تقدمه من عون للجاليات المغربية في المهجر.
واطلع الوفد خلال الزيارة على مبنى مسجد الرحمان في حلته الجديدة وهوبناية ضخمة مكونة من ثلاثة طبقات تحتوي على مرافق مهمة كقاعة للصلاة للرجال وأخرى للنساء والإدارة وقاعات للتدريس. ويتميز المسجد بهندسته الرائعة التي تتضمن بصمات فنية حرفية عالية للصانع المغربي.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن المسجد يواصل رسالته النبيلة في التربية والتوعية وزرع الأخلاق الفاضلة وقيم المحبة والتعايش والتسامح والتفاهم والتعاون. بالإضافة إلى الصلوات الخمس والدروس الدينية وصلاة الجمعة والتراويح في رمضان وتدريس القرآن الكريم بشتى القراءات المغربية من ورش وحفص واللغة العربية للأطفال وتعليمهم الأخلاق الإسلامية والحفاظ على أصالتها وقيمها النبيلة المستمدة من القيم المغربية وهذه المهام تسهر عليها إدارة المسجد مشكورة التي لا تذخر أي جهد في سبيل ذلك يؤطرها الإمام الجليل جزاه الله خيرا، وهناك أيضا عدة أنشطة لها علاقة بالاندماج الايجابي من الأعمال الاجتماعية والثقافية بالمدينة وأحياء الأنشطة الوطنية وتقديم المساعدات للمحتاجين.
واختتمت الزيارة بأخذ صور تذكارية لمكونات الوفد، وتقديم الشاي والحلويات المغربية في قاعة الندوات والحفلات بذات المسجد.
بقلم/ رشيد اقريش