في إطار المهام والإختصاصات المنوطة بالمجلس الأعلى للحسابات بمقتضى دستور المملكة, والقانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، والقانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية..، أصدر المجلس في غضون الأيام القليلة الماضية تقريره المتعلق بتدقيق حسابات الأحزاب السياسية، وفحص صحة نفقاتها برسم الدعم العمومي الممنوح لها لتغطية مصاريف تدبيرها، على أن تقدم هذه الأحزاب الدليل على ما يفيد حسن صرفها, بعيدا عن الشبهات أو الإختلالات التي تمس مصداقيتها ونزاهتها، وبراءتها من أي جرم متعمد..
بقراءة متأنية لمضامين هذا التقرير، يستشف أن حزب جبهة القوى الديموقراطية كنموذج, و إسوة بأحزاب أخرى جاءت بالتقرير، بات في موقف حرج بسبب عدم تبريره لأوجه صرفه لدعم الدولة وحسن تدبيره، إذ كشف التقرير أن الحزب لم يقدم ما يثبت إرجاعه الى الخزينة مبلغ إجمالي قدره 142.144,19 درهم، الشيء الذي دفع بالمجلس بعد عملية تدقيق الحساب السنوي لهذا الحزب وفحص صحة نفقاته، الى توجيه مجموعة من الملاحظات الى المسؤول الوطني عنه بتاريخ فاتح غشت 2023, من أجل تقديم التوضيحات اللازمة، حيث كان جوابه للمجلس غير مقنع, ولم يقدم تبريرات كافية بخصوصها.
تتوزع مساهمة الدولة في دعم حزب الزيتونة الذي لم يعمد إلى إرجاع مبلغ الدعم السالف ذكره، ولم يقدم ما يثبت نزاهة صرفه، ما بين الدعم المقدم خلال اقتراع 08 سبتمبر 2021 لانتخاب أعضاء مجلس النواب البالغ قدره 68.794.31 درهم، كونه مبلغ غير مستعمل وغير مدعم بوثائق الإثبات، وكذا مبلغ 65.558.00 درهم الغير مبرر فيما يتعلق باقتراع 08 سبتمبر 2021 لانتخاب أعضاء مجالس الجماعات والجهات، علاوة على مبلغ دعم غير مدعم هو الآخر بوثائق الإثبات البالغ 7.791.88 درهم، فيما يتصل باقتراع 05 أكتوبر 2021 لانتخاب أعضاء مجلس المستشارين.
في خضم عدم إثبات الحزب لنفقاته المختلفة بالوثائق المثبتة القانونية، يتضح أيضا من خلال الوثائق التي أدلى بها ضمن الحساب السنوي، أنه قام بأداء نفقات مختلفة بمبلغ إجمالي قدره 51.000.00 درهم، دون أن يتم إثباتها، حيث أدلى في جوابه للمجلس بثلاثة نسخ لحوالات تم إرسالها إلى مستفيدين بمبلغ إجمالي بلغ 9.000,00 درهم، وتحويلين بنكيين بمبلغين قدرهما 12.000,00 درهم, و30.000,00 درهم، حيث حسب المجلس، فالحوالات والتحويلات البنكية تمثل وثائق إثبات الأداء ولا يمكن أن تقوم مقام الوثائق المثبتة لإنجاز النفقات، لذا فحزب الجبهة مطالب بدعم صرف نفقاته بوثائق إثبات كما تم حصرها بقائمة الوثائق والمستندات المثبتة لموارد ونفقات الأحزاب السياسية.
إن المجلس الأعلى للحسابات في سياق تعداده لمراوغات حزب جبهة القوى الديمقراطية في شأن إثباته لأوجه تدبيره للدعم العمومي الممنوح له من قبل الدولة، يوكد علاوة على ما ذكر، أن الأخير قدم حسابه السنوي عبر المنصة الرقمية للمجلس، ولم يتم الإشهاد بصحته من طرف خبير محاسب، وذلك خلافا لما هو منصوص عليه في القانون التنظيمي والمخطط المحاسبي الموحد للأحزاب السياسية، وهو ما لم يقم الحزب بالالتزام به, ولم يوافي به المجلس، بعدما أوضح قبل صدور التقرير أنه سيقدم تقرير الخبير المحاسب في أقرب الآجال.
هذا وبلغت نفقات حزب الزيتونة ما مجموعه 1.238.886,27 درهم، وتتكون من تكاليف التسيير بمبلغ 827.757.31, مقابل ما مجموعه 498.600.00 درهم سنة 2021, و323.115,31 درهم سنة 2020, كما تتكون من مصاريف تنظيم المؤتمر الوطني العادي بمبلغ 355.108.96 درهم، واقتناء أصول بمبلغ 56.020،00 درهم..، في وقت قام الحزب بتنظيم مؤتمره الوطني يومي 04 و05 مارس 2022، ولم يستفد من مساهمة الدولة في تغطية المصاريف المرتبطة بتنظيم المؤتمرات الوطنية، على اعتبار أنه نظم مؤتمره الوطني خارج الأجل المقرر بموجب القانون التنظيمي، بينما قام سنة 2022 بإرجاع مبلغ دعم قدره 145.634,280 درهم للخزينة، وقد سبق للمجلس أن صرح أنه مبلغ دعم غير مستعمل برسم مساهمة الدولة في تمويل مصاريف التدبير عن سنة 2020.
لم يتوقف غموض الحزب المذكور في صرف دعم الدولة عند حد ما سبق التطرق إليه، إذ في إطار دعم اقتناء معدات بصرف نفقة تتعلق باقتناء معدات المكتب بمبلغ إجمالي قدره 6.200,00 درهم، أدلى بفاتورة غير مستوفية لجميع الشروط القانونية، لكونها لا تتضمن رقم القيد في السجل التجاري، وكذا رقم التعريف الضريبي ورقم القيد في الرسم المهني ورقم التعريف الموحد للمقاولة، المنصوص عليهم في القوانين والأنظمة ذات الصلة، لاسيما القانون المتعلق بمدونة التجارة ومدونة الضرائب.
مما سبق, وعلى غرار أحزاب أخرى..، يتبين أن مجلس العدوي أسقط ورقة التوت عن حزب جبهة القوى الديمقراطية نموذجنا في هذا المقال، فيما يخص نزاهة تدبير الدعم العمومي الممنوح له، الغير مبرر بوثائق الإثبات القانونية، الأمر الذي اعتبره ملاحظون طرقا ملتوية لهدر المال العام، ما يطرح العديد من الأسئلة المرتبطة بمدى تورط أشخاص هذا التنظيم كما أشخاص أحزاب أخرى في هذه الإختلالات المالية، وما يفرض حتما إحالة ملفاتهم على محاكم الأموال للبث في جرائم محتملة مستوفية لجميع أركان الجرم المتعمد، ليكونوا عبرة لكل من سولت له نفسه العمل بشكل ملتوي لأجل نهب المال العام والإغتناء الفاحش، والقطع مع هذا الإرث الثقيل على سمعة الدولة وتردي الأوضاع الحقوقية…