لم يبق أي مبرر لعدم تدخل مصالح الدولة المعنية بسلامة البلد وحفظ أمنه، أمام ما يجري في أحد مخازن البذور والمبيدات الكيماوية بعاصمة السياحة المغربية مراكش، ذلك أن ما تنقله مصادرنا يدعو بشدة للقلق، خاصة بعد رفض القضاء بالمدينة قبول شكاية في الموضوع تقدم بها مدير كبير في “سوناكوس” حول وجود اختلالات وُصفَتْ بالخطيرة.
تفيد مصادر “أصداء المغرب العربي” أن مخزنا تابعا للشركة الوطنية للبذور فرع مراكش، وتبلغ كمية الحبوب والأسمدة داخله حوالي 1000 قنطار، بات ملجأً للمهاجرين غير القانونيين الأفارقة، وهذا ما وصفته المصادر بالعبث الذي ما بعده عبث، أن يتحول مرفق لمؤسسة تابعة لوزارة الفلاحة إلى مأوى لمهاجرين السريين.
وليس هذا ما يبعث على القلق فحسب، ذلك أن أحد المسؤولين الذي فتح الباب لهؤلاء الأجانب، كان من أجل هدف رخيص جداً، لم يراع الجوانب الأمنية للبلد، ولا استحضر الاحتمالات الخطيرة التي قد تنجم عن هدا التهور غير المقبول. ذلك أن الكمية البلاستيكية السميكة المخصصة لأغراض فلاحية، تغري الأفارقة المهاجرين بصنع ما يشبه القوارب المطاطية منها، واستعمالها بالتالي في الهجرة السرية.
ولم تتوقف فضيحة مسؤولي “سوناكوس” عند هذا الحد، بل أن مخازن البذور هذه، تحتوي أيضا على مادة “أمونترات 33” الكيماوية القابلة للانفجار،ويمكن استغلالها في صنع المتفجرات.
إن وصول المهاجرين “الحارقين” إلى هذا الموقع الحساس، يندر بتوقع أبعد وأسوأ الاحتمالات، باعتبار أن مهاجرين تقطعت بهم السبل، يصبحون ورقة في أيدي من يستغلهم، إن لم يكن منهم أنفسهم من هو إرهابي محتمل. قد يستغل الوسائل المتاحة أمامه في ذلك المخزن.
وعلاقة بخطورة هذه المعطيات، وضع جواد ديوان رئيس المركز الجهوي لسوناكوس بمراكش الثلاثاء الماضي شكاية لدى الوكيل العام قصد التبليغ عن مسروقات تخص مخزن البذور والأسمدة والأكياس البلاستيكية. وتشير شكاية هذا المدير الجديد الذي يريد تبرئة ذمته مما تلطخت به أيادي غيره، إلى تورط المدعو (ك.غ)بصفته المدير العام السابق لذات الشركة “سوناكوس”.
وحسب الشكاية التي تتوفر “أصداء المغرب العربي” على نسخة منها، فإن فظاعة الواقعة جعلت حتى أقطاب شركة “سوناكوس” بالرباط وهم على التوالي وبالأسماء (م.ق) و(م. ب)، والسيدة (ل.ع) يتسترون على هذه المسروقات ويحاولون طمس معالم ما جرى، وكل الظروف المحيطة بدلك، بما فيه الضغط على القضاء من اجل عدم قبول شكاية مسؤول دي وزن هو جواد ديوان بصفته الرئيس الجديد لسوناكوس.
وفي تفاصيل السرقة التي همت البذور، فقد نقلت المصادر بتحويل تلك الكميات الى مركز شركة “صوديا” التابعة للمركز الجهوي بمراكش. مما يحيلنا على شبهة مشاركة شركة “صوديا” في هذه القضية بالتستر على المسروق.
ما حجم المسروق وما نوعيته وما هي وجهته؟.
لم ينس الرأي العام المغربي، الضربة الإرهابية التي أصابتنا في صيف 1994 من قبل أجانب دخلوا الى المغرب بنفس الطرق الملتوية التي اقتحم بها المهاجرون السريون بلدنا. كما وقع في أولى التفجيرات في مراكش بهدف ضرب عاصمة السياحة المغربية وما تزال تبعاتها الدبلوماسية قائمة الى اليوم قبل التفجيرات الإرهابية لأبريل 2011 بمقهى أركانة.
كيف يغيب الحس الوطني والهاجس الأمني عند مسؤولين كبار يتقاضون أجور سمينة، وتنزل بهم الأطماع لبيع البذور والأسمدة و المتاجرة حتى في البلاستيك القوي الذي تأتي فيه المواد الكيماوية لمن يصنعون منها وسائل نقلهم على ظهر البحر نحو اروبا.
كيف يساهم هؤلاء الأطر في الهجرة السرية التي تتصدى لها السلطات المغربية سواء المدنية أو العسكرية، البحرية الملكية وشبه العسكرية ممثلة في رجال الدرك والأمن وغيرهم. وما أدرانا بمصير المواد المتفجرة التي أصبحت خارج السيطرة بعد إخراجها من المخزن؟
رغم رفع عدد من المراسلات من قبل ذات المسؤول، من أجل فتح تحقيق حول كل ما تمت سرقته، ولم يدرج بالتالي في مخزون الشركة، إلا انه لم تتحرك أي جهة في اتجاه كشف الحقيقة وكأن الأمر لا يتعلق بنهب المال العام، وإلحاق الضرر بالفلاحين من خلال إخفاء البذور وبيعها للمطاحن.
يبدو أن ما يجرى من فساد وعبث وسرقات وتهور، لم يقتصر فقط على سوناكوس بجهة مراكش، مادام الرئيس جواد ديوان، ربما أصابه الهلع الشديد، لهول ما وجد عليه أجواء هذه الشركة الوطنية في أكثر من منطقة، حيث انتقل إلى خريبكة بعد إخبار النيابة العامة بها، قصد التبليغ أيضاً عن خروقات تتعلق بنزع أختام الشمع عن مخزون آخر للبذور هناك، أو ما بات يعرف بملف الدقيق المسموم. في إشارة إلى ما حصل في وقت سابق، من بيع للبذور على أساس أنها غير صالحة أو فاسدة، وعوض إتلافها، تم بيعها لمطاحن معروفة، وتم بالتالي طحنها دقيقاً ليستهلكها المغاربة. فكيف ولماذا ومن أمر بنزع التشميع الذي وضعته السلطات القضائية على هذا المخزون.
يظهر أن كثيرا من الأيادي تلطخت بأطنان من هذا الدقيق، ولم يعد من حل أمام المتورطين في إلا أن وجه كبيرُهم المدعو (م.ق) بصفته مدير الإدارة الجماعية لسوناكوس أمراً الى رئيس المركز الجهوي جواد ديوان، قصد التخلص من المسروقات.
يساعد (م.ق) في مهمة الضغط لإخفاء معالم هذه الوقائع التي ترقى الى مستوى جرائم خطيرة، المدعو (م.ب)الذي يتولى مهمة رئاسة قسم المشتريات بسوناكوس. إذ، لا يهنأ لهما بال لدفن القضية قبل افتضاح أمرهم، إلا أن حجم الفضيحة أكبر من أي محاولة لسترها.
أمام موقف المدير الجهوي جواد ديوان من هده الخروقات الخطيرة، ورفضها الأوامر الموجهة عليه من الإدارة المركزية، بادر (م.ب)، اليد اليمنى لـ(م.ق) باستقدام جيش من المهاجرين الأفارقة ممن لا يتوفرون حتى على وثائق الهوية، ولا علاقة تربطهم بشركة “سوناكوس”، حيث جيء بهم للتخلص من مخزون الأسمدة الكيماوية المسروقة، الذي يشبه قنبلة موقوتة. وهو ما حصل دون علم لا المدير الجهوي ديوان، ولا الخازن المسؤول عن المخزن.
كما أن (م.ب)، تجاوز كل حدود اللباقة والتعامل الإداري المفروض بين أطر “سوناكوس”، حيث تجرأ على منع المسؤولين المذكورَيْن من الدخول إلى المخزن ولا الاقتراب منه حتى،دون موجب قانوني أو إداري، مما يعني عرقلة موظفين عموميين عن أداء مهامهم، ويبين حجم وخطورة ما ينبغي التخلص منه، وما يجري في مراكش تحت مسؤولية وزير الفلاحة، وصديق رئيس الحكومة أخنوش. هذا الأخير، الذي ترك الفساد يعشش في عهده بهذه الشركة الوطنية للبذور طيلة توليه حقيبة الفلاحة لـ14 سنة من الزمن.
وبعد أن قطع المسؤولون مركزيا بمقر الشركة بالرباط، الطريق على المسؤول الجهوي، بعثوا لجنة، هكذا سموها، وذلك بهدف التخلص من المسروقات والمخزون المسموم، وقامت اللجنة برئاسة رئيس مصلحة المدعو (ك.م)، ومشاركة كل من (ش.إ)، و(ب.م) و (ن.ن) في غياب المفتش الجهوي عن المكتب الوطني للسلامة الصحية ONSSA، ووجد أعضاء اللجنة 4 عمال من المكلفين في المخزن فاحتجزوهم بأمر مطاع صادر عن الثلاثي (م.ب)، و(م.ق) ول.ع)، وطال الحجز لمدة غير قانوية مما دفع بهم للاحتجاج ضد هذا التصرف، من خلال وضع شكاية في موضوع حجزهم لدى وكيل الملك، وإجبارهم تحت التهديد على نزع اعترافات منهم.
وبالنظر لحجم الوقائع، ينتظر المطلعون تحرك السلطات القضائية أمام هذه التجاوزات الخطيرة التي وصلت حد المساس بأمن البلد، بإدخال أجانب إلى مقر به مواد كيماوية وتمكينهم بيعاً، من وسائل لصنع قوارب الموت. وما خفي قد يكون أخطر.