العدالة الضريبية تحولت إلى ظلم مجتمعي مساوئ مشروع قانون المالية

بقلم/ذ. ادريس الاندلسي

حاولت التعامل مع البنية الضريبية منذ زمان على أسس المبدأ الدستوري الذي يفرض المساهمة في تحمل التكاليف كل حسب قدرته.  حاولت أن أتعامل مع الضريبة بمنطق الأخلاق  و المسؤولية المواطنة في دولة الحق و القانون.  فرحت كثيرا حين فتحت اوراش البناء الجديد للقانون الضريبي  وتوحيد النصوص من خلال مدونة عامة للضراءب. سكنتني روح رومانسية و طوباوية لكي اتعايش مع الأمل في غد أفضل.  نعم العدالة الضريبية هي من روافد  و أسس الدولة  و استمرارية المرفق العام. تابعت ثلاث مناظرات ضريبية  و رفعت كلها توصيات حول العدالة الجباءية  و محاربة الغش  و التهرب الضريبيين.  و أدت نتائج المناظرة الثالثة إلى إعتماد قانون إطار.

و لمن يريد أن يتذكر، كانت أهم الانتظارات تتعلق بإعطاء معنى حقيقيا للمبدأ الدستوري حول مساهمة المواطنين كل حسب قدراته.  و لكن الآمال تتبدد كل يوم  و كل سنة  و كل عشر سنوات. يصل شهر أكتوبر كل سنة  و تظهر معه انتظارات اجتماعية  و أمل في تباشير لصبح جديد يجعل من الضريبة تلك الأداة التي تساهم في تحقيق العدالة الإجتماعية.

و جاء اخنوش محمولا على أكتاف جماهير  و أحزاب الاستقلال  و الأصالة  و المعاصرة  و قال بصوته أنه جاء ليغير وضعية الناس. ” اغراس اغراس “سمعت في سوس العالمة  و وصل صداها إلى مناطق أخرى و بعد ذلك اصطدمت تلك الجماهير بواقع ليس بالجديد. مشروع قانون المالية موجه أساسا للأغنياء  و ذوي رؤوس الأموال.  الضريبية على الأرباح ستنخفض مع مرور تكتيكي عبر فرض  40% على من يحقق أرباحا تتجاوز 100 مليون درهم.  و هي شركات أغلبها حكومية( من لحيتو  لقم ليه) و المؤسسات البنكية  و شركات التأمين.  بالطبع لن يتم التعامل بنفس المنطق مع شركات المحروقات التي تستورد  و لا تستثمر إلا القليل في التخزين  و شركات الإتصالات التي تسبح في بحر هادئ يضمن أرقام معاملات بعشرات ملايير الدرهم. سيتفيد هؤلاء من ميزانية ستصل إلى  600 مليار درهم منها جزء كبير سيصل إليهم كصفقات مربحة  و مجدية و زيادة في مراكمة الثروات.

و ما على حماة التوزيع ” العادل” للعبىء الضريبي إلا تكليف بعض الموظفين أو ” التقنوقراط” الذين تحولوا دون تحضير سياسي إلى مراكز أكبر منهم في بلد له تاريخ  و أعراف  و مؤسسات  و ثقافة تضامنية  و مصالح إستراتيجية يصعب فهمها على من لا يحترم العمل السياسي  و يحتقر الثقافة  و يعتبر معرفة الأرقام أهم من التشبث بثوابت أمة عريقة.

مشروع قانون المالية يناقش في مجلس النواب.  و رغم الآجال القانونية التي يؤطرها الدستور و القانون التنظيمي للمالية،  يحاول البعض اختصار الزمن السياسي.  و قد تشعل مواعيد كأس العالم بقطر إيقاع التصويت على أهم قانون يهم البلاد.  لكن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن. يروج أن الكثير من البرلمانيين لا  يريدون تحمل تبعات مقترحات ضريبية تضعف القوة الشرائية للطبقة الفقيرة  و المتوسطة.  تقول الوثائق أن مشروع قانون المالية يريد أن يحمي الطبقة الوسطى  و يزيد من دورها في دعم الطلب المحلي و زيادة قدرتها على الإدخال.  يا للعجب… كيف سيحصل ذلك مع زيادة الضريبة على القيمة المضافة على الخدمات المقدمة من طرف المهن الحرة  و التي سيتحملها المواطن المتوسط في الأساس.  لن يتحمل المحامون هذه الضريبة بل سيزيدونها على تكلفة اتعابهم  و هذا من حقهم.  و للتذكير فإن الضريبة على القيمة المضافة يتحملها المستهلك النهائي. و حتي نزيد من إيضاح غياب العدالة الضريبية  و زيف شعارات الحكومة نعطي مثال العبىء الضريبي على دخل الطبقات الوسطى بالمقارنة مع الدخول العقارية و  تلك التي ترتبط بعائدات  الأسهم في سوق راس المال.

الاجير في القطاع العام و الخاص يخضع لسلم تضريب دخله الخام قد يصل في تطبيق 38% على الجزء الذي يتجاوز000  180  درهم . و هكذا يصل مستوى تضريب دخل يصل إلى 000 15  درهم إلى نسبة مدمجة تصل إلى 24،4%. و بالرجوع إلى الضرائب على  الدخول العقارية سواء تلك التي ترتبط بالقيم العقارية كأسهم أو استثمارات في مختلف الأوعية المالية  ، أو تلك التي ترتبط مباشرة بدخول عقارية ،يظهر أن الأسعار المطبقة تظل بعيدة عن مبدا العدالة الضريبية. فإذا كان دخلك من عقارات يصل شهريا إلى  50 ألف درهم فلن تؤدي سوى  15% على دخلك العقاري السنوي.  أما الاجير  فله الله  و ما تبقى من هزالة الدعم النقابي لكي ينتظر الفتات.

أما إذا تكلمنا عن الأرباح المتعلقة بالاستهلاكيات الفلاحية فالأمر افظع  و الظلم أوسع  و قدرة كبار الفلاحين و مسانديهم عسيرة على التقنوقراط المصبوغين بالسياسة إلى حين.  سيقول أصحاب العقل الذي يسيطر في هذه الأيام أن الظرفية صعبة  و المقبل أصعب.  و نقول لهم أن الظرفية كانت أصعب حين كانوا يدرسون في الاعداديات. بدأ المغرب منذ عشرين سنة مسيرة بناء كبيرة منذ أزيد من 20 سنة  و فتحت أبواب الأمل مشرعة و متسلحة بمشاريع كبرى  و بتشبث  بمؤسسات قوية.  اليوم وصل جيل جديد برؤيا قديمة يتخبط بين الليبرالية  و ما سموه “بالدولة الاجتماعية”.

مشروع قانون المالية ليس مجالا لكي يسيطر موظف عمومي أصبح، بقدرة قادر، في مرتبة وزير على بناء قانون للمالية يجب  أن يهدف إلى دعم العيش المشترك. أما دعم الأغنياء الذين يستثمرون  و يخلقون مناصب الشغل  و يعيدون استثمار ارباحهم لزيادة القاعدة الإنتاجية للبلاد ،فلن نختلف عليه.  أما المستفيدون من الريع الانتخابي  و المؤسساتي  و الضريبي و المقالع  و رخص النقل  و المتكاثرة ثرواتهم بغير حق ، فهؤلاء أعداء رفعة  و تقدم الوطن تحت قيادة متنورة  و ملتزمة لعاهل البلاد.

أظن أن بلادنا اليوم تحتاج إلى زيادة رأسمال التفكير  و حشد الطاقات،  كما جرى في عز أزمة كوفيد، لكي ننتصر جميعا على كل مظاهر الظلم المجتمعي  و نحد، بكثير من العزم، من الفوارق الإجتماعية و المجالية.  الفرق كبير بين المواطنين  و بين الجهات. سأصفق كثيرا لصانعي الثروات  و ألعن اليوم الذي صعد فيه الانتهازيون إلى منصات القرار  و يقفون اليوم لمنع محاسبتهم عن اغتناء سريع  و احتماء بأشباه  زعماء سياسيين. و السلام على من اتبع الهدى. سأكون سعيدا و أنا اقتني قنينة غاز بسعرها الحقيقي بشرط أن تمكن العدالة الضريبية المحتاجين من دخل يحمي كرامته