بقلم/ ذ.ادريس الاندلسي
إنها حكاية واقع مر ينتحر فيه الإبداع بدون إرادته. هذا الإبداع الذي يفترش الثرى منثورة كلماته على صفحات ملت شوارع المدينة و لا تريد أن تقارن بأي مخلوق لا مأوى له. في نهاية كل يوم يتم التعامل مع الكتاب بقسوة. يوضع في علب من ” الكرتون” و يقضي لياليه جائعا متعطشا لغد قد تحمله فيه بعض الأيادي لكي تتصفحه و تمحي عن وجهه الهموم و ما تراكم من غبار على غلافه. خجلت كثيرا و أنا أجمع من الثرى كتبا تضم أبحاثا و قصصا لمثقفين و حاملي هموم تقاسم المعرفة. صوت رجل متواضع و بشوش يرتفع كلما مر من جانبه شخص تظهر على محياه علامات أنه يقرأ.
و يزيد الصوت إرتفاعا مع توافد محبي الشاورما و الحلويات على المطاعم التي توجد قرب تلك الأمتار من الشارع التي تستلقي عليها الكتب مجبرة لا مخيرة. ” ثلاثة دراهم للكتاب ” و يعيد الرجل هذه الجملة بسرعة حتى يتسابق مع إيقاع التهام السندويتشات التي يباع أقلها جودة بعشرة دراهم. راعني المنظر فوقفت اتأمل العناوين و أسماء من كتبوها و رسوم من سهروا على جودة الغلاف. أخترت بعض الكتب و عبرت لبائع الكتب عن خجلي من اقتناء سبعة كتب بما مجموعه واحد و عشرون درهما. و خجلي أصبح كبيرا حين قررت الكلام عن حياة كتب تعيش في زمن ازدراء الإبداع و التفكير و الثقافة بشكل عام. لا أريد اقحام أسماء مؤلفي كتب تباع بثلاثة دراهم في موضوع يتجاوز ارادتهم.
عدد الكتب التي لا مكان لها على رفوف المكتبات و تلك التي لا تجد من يتحمل معاناة الحصول على عصارة التفكير أكثر آلاف المرات من تلك التي تملأ فضاءات معارض الكتاب. ثلاثة دراهم للكتاب عنوان حزين على إنتصار من يكرهون الثقافة و الفلسفة و المسرح و الموسيقى و الغناء و الرسم و النحت. هؤلاء ليسوا فقط من أصحاب شعارات محاربة اعمال العقل و تغييبه و الاكتفاء بطاعة من لا صلة لهم بالعلوم. انهم كذلك من ملتهمي سندويتشات الغرب و من حاملي كل مظاهره من لباس و سيارات و طرق استهلاك بضاعته بشره و بأموال كثيرة. معاداة الكتاب تأتي أيضا من بعض من اشعلوا سوق النشر بهدف اغتناء سريع عبر الجري وراء تمويل عمومي مصدره الضرائب. هؤلاء يعرفون من أين تأكل الكتف و بعدها يفترش الكتاب الثرى في إنتظار متصحف حتى لا اغامر بإلصاق ” تهمة” بل صفة القارىء بكل من اقتنى كتابا. يعجبني كثيرا مفهوم ” التربية على القراءة” و أؤمن بنجاعة تفعيله رغم آثار وسائل الإتصال الحديثة. التأطير التربوي داخل البيت و المدرسة ليس مضيعة لجهود المربين و الأسر. و لحسن الحظ أن أمثلة النجاح موجودة و قابلة للتوسع مجتمعيا. حاول الوزير السابق للشباب محمد الكحص تعميم مجالات قراءة الكتب لتصل إلى الشارع و المخيم و دور الشباب، لكن أصحاب التنشيط التافه كانت لهم سطوة تعميم التفاهة.