خبراء في جامعة منبر الحرية بتونس : الأزمة الدينية، وإقصاء الفرد وراء انفجار العنف في المنطقة

“ثلاثة عوامل تساهم في انتشار العنف في العالم العربي: الثورات المضادة والعجز عن فهم الأزمة الدينية التي تجتازها المنطقة وتضخم دور الحكومات وإقصاؤها لحقوق الأفراد”. تلك هي الخلاصة التي انتهى إليها الأكاديميون العرب المشاركون في الجامعة الصيفية لمنبر الحرية التي اختتمت أشغالها بتونس أول أمس السبت .

وهكذا، أكد شفيق الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت أن الثورة المضادة لم تحمل حلولا عملية وسياسية للواقع العربي، بل سعت لإعادة إنتاج ذات الأنظمة والسياسات التي تميزت بالفساد والاستفراد التي ثار عليها جيل الشباب. هذا المشهد الذي انتهى إلى تصفية الثورات السلمية والحراكات السلمية خلق حالة عامة في الواقع العربي تعتبر أن العنف هو السبيل الوحيد للوصول للتحول السياسي. لقد أدى تدمير الوسط السياسي السلمي في سوريا ومصر ودول عربية أخرى لفتح الباب على مصراعيه أمام مدرسة التطرف والعنف.

وفي سياق متصل، عزا المفكر التونسي محمد الحداد أزمة العنف التي يواجهها العالم العربي إلى ما سماه المكابرة وعدم الاعتراف بوجود أزمة حيث “من الدارج الحديث عن أزمة سياسية، اقتصادية، اجتماعية و ثقافية لكن لا أحد يتحدث عن أزمة دينية”يقول المتدخل. وينتج عن هذه الأزمة، يضيف الحداد، أزمات فرعية من قبيل أزمة التمثيلية الدينية، أي من يتحدث باسم الدين فالتمثيليات الجديدة كجماعة الإخوان المسلمين في مصر مثلا تصبح أقوى من التمثيليات التقليدية كالأزهر.

وأضاف ذات المتحدث أن تغيرا نوعيا مس طبيعة الرابط الديني، فقديما كانت الديانة تنتقل بالوراثة وقد لا يتاح للفرد أن يطلع على أديان أخرى. أما اليوم وفي ظل انفتاح العالم فإن الاطلاع على كافة الأديان متاح أمام كل الأفراد مهما كانت دياناتهم الأمر الذي يجعل سياسة تجاهل الديانات الأخرى غير صالحة اليوم بل وجب تعويضها بسياسة التعايش.

وحول آليات صناعة العنف، تطرق الباحث المصري رامي عطا إلى دور وسائل الإعلام إلى جانب غيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وفى مقدمتها مؤسسة الأسرة باعتبارها المؤسسة الأولى التى تستقبل الطفل، والمؤسسة الدينية حيث الكنيسة والجامع والمعبد..، والمؤسسة التعليمية من مناهج وأنشطة متنوعة، وكذلك المؤسسات الثقافية المختلفة: الرسمية والأهلية/ المدنية، بالإضافة إلى دور مؤسسات المجتمع المدني وما تقوم به من أنشطة اجتماعية وثقافية متنوعة. وفي مداخلة بعنوان”مصادر العنف في البلاد العربية” استنتج الباحث السوري مازن ديروان أن إنهاء الظلم واللاعدالة يؤدي إلى انتهاج سياسات لتحرير الفرد من انتهاكات حقوقه الطبيعية والمدنية بما فيها حرية الكلمة وتحرير الاقتصاد وبالتالي إلى رفعة الفرد، وهو ما يؤدي إلى السيطرة على ظاهرة العنف.

وفي نفس المنحى، أكدت مداخلة الاقتصادي المغرب نوح الهرموزي على ضرورة ضمان حقوق الملكية؛ و حرية استخدامها و إبرام التعاقدات في ظل إطار تنافسي تحت حكم القانون والمساواة، كآليات كفيلة بالحد من الإقصاء والتهميش المولدين للعنف مضيف إلى ذلك ضرورة الحد من تدخل الحكومة لضمان منافسة شريفة وحماية الأفراد والجماعات من كل بطش وشطط وتوفير مناخ مناسب للعمل وللكسب ولبروز ثقافة وآليات التضامن والتعاضد و الحماية من الإقصاء للفئات الأقل حظا، والانفتاح على التجارة وتعزيز المنافسة والحقوق الفردية والعدالة واحترام سيادة القانون الحكومة المحدودة دستوريا والفصل والتوازن بين السلطات والحكم الرشيد والمساءلة في إطار دولة الحق و القانون.

يذكر أن منبر الحرية مشروع تعليمي يهدف إلى تقديم أدبيات الحرية الاقتصادية و السياسية والأفكار والدراسات المتعلقة بها لصنّاع القرار وكل من يعنى بالحرية في العالم العربي من الطلبة والمثقفين والمؤسسات العلمية والأكاديمية و تعدّ جامعاته الصيفية من أهم أنشطته السنوية وهي مناسبة لتنظيم ندوات دراسية وحلقات نقاش للحديث حول أهم قضايا الساعة في المجتمعات العربي.