بقلم / ذ. ادريس الاندلسي
المتعارف عليه و المثبت بالقانون أن البنك المركزي في أغلب الدول مستقل. و لقد اقرت بلادنا استقلالية ما أصبح يعرب ببنك المغرب بجميع اللغات منذسنوات. مهام هذه المؤسسة كثيرة و إستراتيجية و يظل دورها الأول هو مواجهة التضخم عبر التحكم في مستوى سعر الفائدة الأساسي. و هذا السعر يعتبر ،نظريا، الوسيلة التي تمكن الأبناك من تمويل احتياجاتها مع التأثير سلبا او إيجابا في حجم الطلب على التمويل. و لكن الغالب هو تدخل البنك المركزي في قطاع الآجال قصيرة الأمد. هذا مع العلم ان السياسة النقدية هي من اختصاصات الحكومة كباقي السياسات القطاعية.
المهم هو أن يتمكن بنك المغرب في التحكم في آليات تمويل الإقتصاد ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. كثيرة هي العوامل الخارجية و الداخلية التي تفسر حجم التضخم و ضعف بنيات النمو الإقتصادي. إن تباطىء نمو المعاملات يدفع البنك المركزي في الأحوال العادية لبعث شيء من النشاط عبر تسهيل القروض للمقاولات و للأشخاص. و فد لاحظنا خلال السنين الأخيرة كيف اقترب سعر الفائدة الأساسي من 1% . ولكن البنوك الخاصة لم تتبع سياسة بنك المغرب و ظلت تطبق نسبة فائدة تجاوزت 6%. سعر الفائدة أساسي في تحريك التعامل في أسواق العقار و السيارات و الاستهلاك. و لهذا يتم إستعماله كذلك للحد من نسبة التضخم و لجم حركة الزيادة في الأسعار عبر كبح نسبة الاستهلاك و تخفيض مستوى و إيقاع الطلب على وسائل التمويل. إلا أننا لا نعيش حاليا في مرحلة تتسم بنسبة نمو مرتفعة أو حتى متوسطة بل في شبه ركود. و هذا الوضع هو ارتكزت عليه الحكومة للتسريع في وضع القانون الإطار للإستثمار و تسجيل رقم زمني قياسي في إخراج ثلاثة مراسيم تطبيقية تهم بالأساس حجم المنح للمستثمرين. هذا بالإضافة إلى كل البرامج التي تستهدف زيادة التشغيل. و المعروف بل و البديهي أن زيادة تكلفة التمويل تعتبر من أهم العراقيل التي تواجه المقاولات الحاملة للمشاريع.
يجتمع مجلس إدارة بنك المغرب كل ثلاثة أشهر لتدارس العوامل الداخلية و الخارجية المؤثرة في الإقتصاد الوطني. و يتم إتخاذ قرار في شأن مستوى سعر الفائدة الأساسي الذي يشكل الأرضية التي يرتكز عليها النظام البنكي لإعادة تمويله و لتحديد سعر فائدة مختلف أنواع قروضه لزبناءه. و غالبا ما يصرح والي البنك على ضرورة تقليص هامش ربحية البنوك ،لكنهذه الأخيرة تخضع لمنطق آخر. مجلس إدارة بنك المغرب يضم شخصيات ذات إلمام بالقضايا المالية و الإقتصادية و حتى وزير مالية سابق بالإضافة إلى مديرة إحدى أهم مديريات وزارة الإقتصاد و المالية و هي مديرية الخزينة و المالية الخارجية. وتعد هذه المديرية عمليا هي حاملة رسائل الحكومة لمجلس الإدارة و للوالي. أما قضية الاستقلالية فمن الصعوبة عزلها عن المحيط السياسي و الإقتصادي الذي تمارس في إطاره . هناك خط رفيع جدا يفرق بين استقلالية ما يسمى بمؤسسات الحكامة و ما يدور داخل المجال السياسي و ما يدور كذلك داخل المؤسسات المالية و البنكية و التجارية و الصناعية و العقارية و الطاقية الكبرى بالبلاد.
الوضع الحالي لن يغير فيه سعر الفائدة ميكانيزمات التحكم في بنية الأسعار. السوق الغذائية معقدة البنيات الرسمية و الخفية. و قد تضمن بلاغ الحكومة قبل يومين كلاما محيرا بكل المقاييس السياسية. ناطقها الرسمي عبر عن جهل الحكومة للأسباب الكامنة وراء موجة غلاء الخضر و الفواكه. ولم يشر و لو للحظة عن تأخر السلطات العمومية و خصوصا وزارة الداخلية في إصلاح أسواق الجملة و أسواق اللحوم الحمراء و باقي الوزارات التي تشرف على أسواق أخرى. و العارفون بالمعاملات داخل هذا القطاع يعرفون أن أقل من 30% من كميات الخضر و الفواكه هي التي تخضع لمراقبة أسواق الجملة. أما الباقي فهو مرتع للسماسرة و مافيا خلق النذرة و رفع الأسعار. لأول مرة لاحظت تساوي الأسعار المعلنة داخل الأسواق العصرية الكبرى و تلك التي تسجلها أسواق الأحياء الشعبية المحيطة بالعاصمة. أما قطاع الطاقة فلا زال الغموض يلفه رغم كل البيانات و التصريحات غير المقنعة التي قدمتها الحكومة و مجلس المنافسة. هناك بنية تركيبية لسعر الطاقة لا تتيح شفافية مطلقة لمعرفة الهامش الحقيقي للأرباح في هذا المجال. و لنا في أرقام معاملات شركات البترول و الغاز الأجنبية العاملة في السوق الوطنية خير مثال على الربح الذي تحققه.
التضخم يهم بالأساس أسعار الطاقة و الغذاء في ظل أزمة عسكرية وسط أوروبا و تلقي بظلالها على اقتصادنا الوطني. و ككل الأزمات هناك مستفيدون منها ولكن المتضررين هم الأغلبية. أسعار العقار و التجهيزات المنزلية الالبسة لم تعرف مستوى تضخم مثير للانتباه. و لكل هذا يمكن القول أن بنك المغرب ” المستقل” قد يرفع سعر الفائدة الأساسي مرات و مرات دون أن يكون لهذا الرفع أثر على مستوى التضخم. و لهذا وجب أن يقوم مجلس إدارة بنك المغرب أن يحضر عملا تقييميا لرفع سعر الفائدة خلال دورتي يونيو و شتنبر 2023.