مدينة البرتقال بالمغرب إلى عاصمة سياحية الروحية،البودشيشية عمرها 9 قرون وزوارها من كل بقاع العالم

القادرية البودشيشية طريقة صوفية مغربية يعود ظهورها في الزمن إلىالقرن الخامس الهجري، تداول على قيادتها وتولي المشيخة عليها عدد من الأقطاب الصوفيين، لم يكن آخرهم الشيخ حمزة الذي توفي قبل ثلاث سنوات، والتي عرفت معه الطريقة إشعاعا كبيرا ويواصله نجله الشيخ جمال القادري البودشيشي.

تُنسب هذه الزاوية إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، ومن اسمه أخذت لقب القادرية، فمن أين أتت تسمية “البودشيشية”؟

تحكي الرواية الراسخة أن الشيخ سيدي علي بن محمد الذي حمل لقب “سيدي علي بودشيش” كان يُطعم الناس أيام المجاعة بتقديم أكلة الدشيشةلهم في زاويته، والدشيشة وجبة متاحة غير مكلفة، من سميد الشعير أو القمح مطبوخ يتم سقيه بعدما يبرد باللبن ويؤكل في أي وجبة. وينطقها المغاربة حسب المناطق والنطق بالتاء أو الدال دشيشة أو تشيشة.

وفي هذا الإطار أدت الزاوية البودشيشية دورا بارزا في تكريس قيم حب الوطن والمواطنة وحفظ تلاحم المجتمع المغربي حيث وفرت الطعام في أوقات المجاعات والأوبئة، وآوت الغرباء وأبناء السبيل، وقدمت الكساء للفقراء والضعفاء، ولبت دعوة المضطرين وعالجت المرضى، وسعت للصلح بين المتخاصمين، والشفاعة عند الحكام نصرة للمظلومين والمقهورين، ، كما عملت على إحلال السلم في المجتمع والحث على الجهاد واسترجاع الثغور المغربية.

من بين شيوخ الطريقة القادرية البودشيشية الذين تعاقبوا على مشيختها، نجد اسم الشيخ سيدي احمد بن عليوة والشيخ سيدي المختار بن محي الدين المتوفى عام 1914م، وآخرون ويبقى من بين هؤلاء الذين سجلوا منعطفا في مسار الزاوية، الشيخ سيدي أبو مدين بن المنور المتوفى سنة 1955م. هذا الشيخ أخرج الطريقة من مرحلتها التبركية إلى المرحلة التربوية أو مرحلة السلوك التربوي.

وقد سار على هذا النهج بثبات من بعده سيدي الحاج العباس ومن بعده ابنه سيدي الحاج حمزة وحاليا ابنه وحفيد العباس سيدي جمال القادري البودشيشي، وقد عملوا على تجديد الطريقة فانتشرت انتشارا لافتا، خاصة منذ خمسينات القرن الماضي أي قبل حوالي سبعين سنة مضت. وعرفت الطريقة بعد غروب شمس العارف بالله سيدي الحاج حمزة مجدد سلوك الصوفي، إلا إشراق نور شمس نجله  الشيخ مولاي جمال الدين ورث سر المحمدي ويعتبر ربانا متمرسا، لا يخطو إلا على خطى أبيه الشيخ الراحل،مؤيدا بابنه و وارث سره الدكتور مولاي منير القادري في مهام جديرة بالتقدير من خلال توليه تنظيم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة  نصره الله ،الملتقى العالمي للتصوفألذي سيعرف هذه السنة  دورة الخامسة عشرة و القرية التضامنية في دورتها الثامنة إلى جانب منتدى الأسس الإسلامية للإيكولوجية في دورته السادسة هذه السنة و معرض الاقتصاد التضامني  والاجتماعي و يشرف كذالك على الهيئة العلمية لطريقة القادرية البدشيشية وكذا يعمل على التنسيق و الإشراف على شؤون الطريقة بأوروبا و إفريقيا وباقي العالم عن طريق تنظيم ندوات ومحضرات و التكوينات على ثوابت الهوية الدينية المغربية وتنظيم مجالس الطريقة بالخارج ونشر القيم السمحة لديننا الحنيف قيم المحبة وسلم و السلام واحترام الأخر بمناهج تربوية عصرية تلاءم السياق الأوروبي وبذالك تلعب الدبلوماسية الروحية دورا هما في تقارب حضارات و حوار الأديان و المشترك الإنساني و العيش المشترك.

تنظم الزاوية البودشيشة لقاءين كبيرين كل سنة، ليلة القدر و ليلة المولد النبوي الشريف المتزامن مع أسبوع الفرح برسول الله من تنظيم الملتقى العالمي للتصوف وكذا قافلة الطبية وعدة أنشطة و التي يحج الزوار بهاتين المناسبتين من كل فج قريب وبعيد، من داخل المغرب كما من خارجه. كما تعرف الطريقة القادرية البودشيشية تنظيم اعتكف غشت و الجامعة الصيفية التي تعرف حضور أساتذة و علماء و طلبة باحتين لاستفادة من دروس العصر . كما تنظم مخيمات صيفية للبراعم الطريقة للاهتمام بالفئة الناشئة.

ويقصد حوالي 250 ألف من الزوار قرية مداغ بإقليم بركان حيث يوجد المقر زاوية الأم شرق المغرب مع قرب ليلة القدر كل شهر رمضان، لا الإمساك عن الطعام، ولا العطش يحول دون طي المسافات من كل مناطق المغرب نحو مداغ. من الشرق كما من الغرب ومن الجنوب والشمال، الناس يتحدثون عن قوة جذب روحي نحو بركان، هذه المنطقة تشتهر فلاحيا بإنتاج وتصدير الحوامض نحو الاتحاد الأوربي، وخاصة البرتقال.

من هذه المنطقة الفلاحية ينحدر العداء والبطل العالمي هشام الكروج، الذي قهر منافسيه في سباقات دولية مختلفة، وصعد بالعلم المغربي فوق منصات التتويج في كل القارات، لكن الشيخ سيدي حمزة الذي توفي قبل ثلاث سنوات مدد الإشعاع الصوفي لبركان وللمغرب أبعد بكثير مما فعلته البرتقالة البركانية المميزة، أو البطل العالمي الشهير، الشيخ الراحل لم يخرج من مداغ، نحو العالمية، بل قصده المريدون وعموم الزوار من أوربا ومن المشرق ومن أمريكا وكندا وغيرها من كل القارات.

أتباع الطريقة يحجون إلى مذاغ في اللقاء السنوي الثاني الذي ترعاه الطريقة البودشيشية كل عام في شهر ربيع الأول بمناسبة ذكرى مولد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. لا يقل الحضور، في مناسبة إحياء ذكرى المولد النبوي، عن الجموع الغفيرة التي تقصد شرق المغرب لقيام ليلة القدر المباركة في بركان.

يمكن تصنيف هذا النوع من السياحة التي تبلغ قمتها في مداغ ببركان في هذه المناسبات وما بينهما، بالسياحة الروحية أو السياحة الصوفية،يقول البعض، إن البودشيشيين يخوضون في السياسة بشكل محتشم أو غير علني.

بيد أن أهل البودشيشية يوضحون أن التصوف المغربي له أثرا واضحا على عامة المغاربة، حيث ربطهم بدينهم ووطنهم من خلال تقويم أخلاقهم، وانتشالهم من بؤر الفساد ودروب الضياع. ولم يقصي  غير المسلمين،بل دعا الى التعايش والتسامح في إطار الوحدة الوطنية الجامعة ،فالتصوف يقوم على  نفع الناس وبذل الجهد في نشر الخير والتضحية في سبيل ذلك.

وعلى هذا النهج القويم عملت  الطريقة القادرية البودشيشية على الحفاظ على ثوابت الأمة المغربية من خلال بناء مواطن صالح يسهم بشكل إيجابي في تنمية الوطن عبر تربيته على المشاركة الفعلية والإيجابية كمواطن يحترم ثوابت الوطن ويدافع عن مقدساته وذلك من خلال :

– ربط أبناء الوطن بدينهم، وتنشئتهم على التمسك بالقيم الإسلامية، والربط بينها وبين هويتهم الوطنية.

تأصيل حب الوطن والإخلاص  له في نفوسهم في وقت مبكر، وذلك بتعزيز الشعور بشرف الانتماء للوطن، والعمل من أجل رقيه وتقدمه، ودفع الضرر عنه، وهو ما تحث عليه توجيهات شيخنا سيدي جمال الدين وكلماته الربانية الى مريديه .

– تعويدهم على حب العمل المشترك، وحب الإنفاق على المحتاجين،  والتعاون والتكافل بين كافة المستويات الاقتصادية في الوطن تربيتهم على الابتعاد عن كل الحزازات العرقية،يقول أهل الطريقة البودشيشية إن “السند الروحي” لها والمتصل بالشيخ عبد القادر الجيلاني حسب الشجرة التالية:

“كان عمدة الشيخ أبو مدين في طريق التصوف خاصة (حسب ما ذكر في الجزء الخامس من مجلد “معلمة المغرب”) هو ابن عمه المجاهد سيدي المختار المتوفى سنة 1914م وهو جد سيدي حمزة لأبيه. وقد أخذ سيدي المختار عن والده الشيخ الحاج محيي الدين، عن الحاج المختار، عن الشيخ المختار -الأول- عن سيدي محمد -فتحا- عن سيدي علي، (الملقب بأبي دشيش)، عن سيدي محمد، عن سيدي محمد، عن سيدي محمد -ثلاثة محمدين على التوالي-، عن الشيخ أبي دخيل، عن سيدي الحسن، عن سيدي شعيب، عن سيدي علي، عن سيدي عبد القادر، عن سيدي محمد، عن سيدي محمد -محمدان اثنان-، عن سيدي عبد الرزاق -الثاني-، عن سيدي إسماعيل، عن الشيخ عبد الرزاق -الأول- عن والده الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين عبد القادر الجيلاني سنده إلى مولانا رسول الله”