أصداء المغرب العربي – أسفي
لا يختلف اثنان على أن التنافس هو السمة الغالبة على الممارسة السياسة، وأن أي تدافع أو اختلاف هو مرتبط أساسا بالمشهد السياسي، إن لم نقل هو جوهره، مع فارق بسيط في الطريقة والأداء اللذين يتأثران إما بالمستوى الثقافي، أو بالبيئة الاجتماعية للفاعلين.
وإذا كان وجود التنافس السياسي شيء طبيعي بالنظر إلى ما ذكرناه آنفا، فإنه من جهة أخرى يعتبر ضروريا لأنه الترجمة المنطقية لوجود الأحزاب السياسية في المنظومة الديمقراطية ككل، غير المتابع للمشهد السياسي اليوم لن يجد كبير عناء في رصد كثير من التحولات التي يعرفها ذلك المشهد، ومنها النزوح نحو أمور ما أنزل الله بها من سلطان عوض التنافس السياسي النزيه.
مناسبة هذا الكلام ما أصبحنا نراه من كائنات حزبية بأسفي غرضها فرض السيطرة على الأخر، والحد من تأثيره الاجتماعي، ولا ندري لماذا كلما تكلمنا عن البلطجة السياسية إلا يأتي ذكر أسماء بعينها، هذه الأسماء الذي قد تسميها أيا شئت إلا أن تطلق عليه اسم فاعل سياسي لما راكمته منذ نشأتها من ممارسات أساءت للفعل السياسي النبيل، وعطلت عجلات تطور الممارسة الديمقراطية بالمغرب، حيث ظهرت مع ولادتها مصطلحات جديدة كالبلطجة، والعزوف السياسي، والعنف السياسي، ولعل ما تمارسه هذه الأسماء من عنف لا يقتصر على أسفي، بل يمتد إلى باقي المدن المغربية، ولكن حاولنا الحديث عن هذه المدينة فقط.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فلا يمكن أن نتكلم على تغول الفاعلين السياسيين دون أن نتكلم على دور سلطات الوصاية، وأساسا في شخص عامل الإقليم الساهر والضامن الأساسي لمرور العملية الانتخابية في أبهى حلة وأحسن الأحوال، دون أن تنغصها أمور مشبوهة قد تفقد هذه العملية رونقها ومسارها الطبيعي…
فالسؤال المطروح بحدة بحاضرة المحيط، كيف يمكن أن تعاد انتخابات لثلاث مرات، والرابعة في الطريق إن قررت المحكمة الدستورية ذلك بعد الطعون المقدمة، دون أن يتحمل العامل شنان مسؤولية الأخطاء المرتبكة في كل هذه المحطات الانتخابية، وكيف للرجل الأول بالإقليم أن لا يتعلم من أخطاءه السابقة وتبقى دار أسفي على حالها، فلا يمكن أن تبقى المحكمة الدستورية طيلة هذا المسار، الذي اريد له أن لا ينتهي، تصحح أخطاء رجال سلطة وسياسيين لم يستوعبوا لعبة الانتخابات رغم تكرار العملية الانتخابية طيلة 18 شهرا التي عرفت إجراء 3 عمليات انتخابية؟؟
ومعلوم أن المحكمة الدستورية كانت قد أصدرت قرارا لها، يوم الخميس 14 يوليوز 2022، يقضي بإلغاء انتخاب التهامي المسقي، عن حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، عضوا بمجلس النواب على إثر الاقتراع الذي أجري في 8 سبتمبر 2021، بالدائرة الانتخابية المحلية لإقليم أسفي، حيث بررت المحكمة قرارها بكون المطعون في انتخابه، حين ترشحه برسم الانتخابات موضوع الطعن، منتميا لأكثر من حزب سياسي واحد، مما جعل ترشيحه مخالفا للقانون، ويتعين تبعا لذلك إلغاء انتخابه، ليتم تحديد يوم 29 شتنبر 2022 كموعد لإجراء انتخابات تعتبر الثانية من نوعها بدائرة أسفي.
نتائج هذه الانتخابات لم تصمد طويلا، حيث قضت المحكمة الدستورية مرة ثانية بإلغاء انتخاب النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، رشيد بوكطاية، في الاقتراع الجزئي الذي أجري يوم 29 شتنبر الماضي بالدائرة الانتخابية المحلية “آسفي”، حيث أكدت المحكمة المذكورة، في تعليل قرارها، بأنه بعد اطلاعها على العريضة المسجلة بأمانتها العامة في 28 أكتوبر 2022، التي تقدم بها التهامي المسقي وهو الذي كان يشغل المقعد البرلماني، بناء على ما أفرزته نتائج انتخابات 8 شتنبر 2021، طالبا فيها إلغاء انتخاب المرشح البامي “بوكطاية” في الاقتراع الذي أجري في 29 شتنبر 2022 بالدائرة الانتخابية المحلية “أسفي” وأعلن على إثره انتخابه عضوا بمجلس النواب.
وأمام هذه المعطيات الجديدة تم تحديد يوم 27/4/2023 لإعادتها للمرة الثالثة، حيث اتضح للرأي العام بأسفي مع انطلاق الحملة الانتخابية أن الأمور بقيت كما هي، حيث تركت نفس الأخطاء دون تصحيحها، لتتصاعد العديد من الاتهامات للسلطات بأسفي بالعمل على تسخير جميع الوسائل من اجل إنجاح مرشح الأصالة والمعاصرة دون أن تحرك ساكنا، وهو ما دفع التهامي المسقي في رسالة له إلى عامل الإقليم بضرورة توفير رؤساء نزهاء على رأس مكاتب التصويت.
ومع بداية ظهور النتائج، وعدم تجاوب السلطات مع تنبيهات التهامي المسقي المرشح عن الاتحاد الدستوري، تقدم بعدة شكايات لدى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بأسفي بخصوص مكاتب بعينها، كما تقدم بطعن لدى المحكمة الدستورية بالرباط بتاريخ 17/5/2023.
مقربون من التهامي المسقي أكدوا أنه في الوقت الذي كانوا ينتظرون فيها التفاعل السريع مع الشكايات التي تقدم بها مرشحهم، تفاجأوا بمتابعته في حالة اعتقال بعد اتهامه بإفساد العملية الانتخابية، لتبدأ قصة أخرى مع رفض السراح المؤقت للمسقي مرتين ابتدائيا واستئنافيا، رغم توفره على جميع الضمانات القانونية والمالية مع العلم ان الملف جنحي عادي بدون تلبس وبدون اعتراف مما يخول له القانون المتابعة في حالة سراح، يقول المقربون من التهامي المسقي.
هذا، ويضع المقربون من البرلماني السابق التهامي المسقي كل ثقتهم في القضاء، لسبر أغوار هذه القضية المعقدة عبر تتبع كل خيوطها منذ انطلاق أول عملية انتخابية في 8 شتنبر، مرورا بالانتخابات الجزئية لـ27 شتنبر وانتهاء بآخر انتخابات جزئية في 27 أبريل الماضي، لإنصاف الرجل.
وفي سياق متصل، أكد أحد الفاعلين الحقوقيين بمدينة أسفي أن ما حدث في انتخابات حاضرة المحيط بأجزائها الثلاثة يدين بلا شك عامل الإقليم، كونه المسؤول على السير العادي لهذه الانتخابات، قبل أن يدين أي فعل سياسي آخر، وعليه ومن الواجب على وزارة الداخلية إرسال لجنة مختصة للوقوف على حقيقة ما حدث إنصافا للجميع..