يكاد يكون من اللافت و المثير للاستغراب طبيعة الأجواء التي مرت فيها هيكلة حكومة سعد الدين العثماني وهذا التحول السلس و القفز الميسر على ما كان يتصور عقبات جسام اصطدم بها بنكيران حالت دون تمكنه من تكوين الحكومة طيلة خمسة أشهر من تعيينه.
لقد كانت الصورة المهيمنة توحي بتعقيد سياسي يستعصي معه الوصول لصيغة معينة لتشكيل حكومة بنكيران، حزب الأحرار أوصد كل أبواب التفاهم واشترط مشاركة الاتحاد الاشتراكي، هذا الحزب الذي طرح معه شرذمة من الأسئلة حول ماهية القوة الحاسمة له وهو صاحب العشرين مقعدا. حزب الاستقلال من جهته و المغرب على أبواب تشكيلة الحكومة يصدر تصريحا أقيمت حوله ضجة جعل معها التساؤل حول جدوى وغاية الحزب من إصدار هكذا تصريح في ظرف حساس. الحركة الشعبية من جهتها تقف موقف الاستعداد لتنفيذ ما يلائم من الأوامر و التعليمات. حزب البام أحكم قبضة العصا في العجلة . كل هذا و غيره جعل عبد الاله بنكيران يصطدم بالجدار فيعفى من مهامه. تجتمع الامانة العامة للبيجيدي تقر التعامل الايجابي مع القرار الملكي، ونفس الموقف يتخذه برلمان الحزب شريطة عدم إشراك حزب الاتحاد الاشتراكي معتبرا ذلك خطا أحمرا.
بعد تعيين سعد الدين العثماني تنقلب الوقائع السالفة الذكر 180 درجة. انسياب في مواقف الاحزاب لا سابقة له، التراكتور يهلل وينشرح لتموقعه في المعارضة، لشكر الاتحادي لا تسعه الأرض ويصدر بيانا حزبيا في موضوع تهنئة رئيس الحكومة البديل بما يوحي أنه تلقى تطمينات بالمشاركة في الحكومة، أخنوش و لعنصر نحن هنا على أتم الاستعداد، الشيوعيون كذلك رهن الاشارة كالمعتاد. هكذا إذن بعد عشية وضحاها تنقلب الأمور أيما منقلب بما يبرز خلاف ما ذهب إليه الجميع أن بنكيران قد فشل في مساعيه و إنما أريد له ذلك. و كأن واقع الحال يشير أن دور بنكيران الذي طالما تغنى بكونه اجتاز بالمغرب تبعات الربيع العربي قد انتهى، ولا دور محاك له بعد ذلك و أن شعبيته بلغت الحدود التي لا يمكن تجاوزها بالنسبة للمشهد السياسي المغربي و انتهى الكلام.
و إذا كان سعد الدين العثماني البديل قد تمكن بهذا اليسر المنقطع النضير من إخضاع الأحزاب التي كانت حتى الأمس القريب تضع شروطا لا يمكن مناقشتها البتة من القبول و الرضى وتيسير سبل تشكيل الحكومة، بل حتى قرار المجلس الوطني بخصوص مشاركة الاتحاد الاشتراكي قد تم تجاوزه و الدوس عليه مما يدفع للتساؤل حول ما إذا كانت لسعد الدين العثماني كل هذه القدرات للعصف بقرار برلمان البيجيدي، أم أن الأمر كان بتنسيق و موافقة بنكيران بحكم كونه أمين عام الحزب و أن موقفه الرافض الذي كان يتمسك به يدخل في إطار استراتيجية تهيئة ظروف الإعفاء، أم منحى سعد الدين العثماني يهدف توجيه ضربة مقصودة لصقور البيجيدي الذين كانوا ينتظرون فشله الحكومي بفارغ من الصبر؟؟؟
تلك أسئلة و خلاصات تفرضها ملابسات فهم مسار تشكيل حكومة سعد الدين العثماني، وهو ما ستكشف قابل الأيام تبعاته خاصة ما تعلق بمستقبل المشهد السياسي لحزب المصباح…